جريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد

أركــــــــــــان القتل العمد
أركان القتل : وهى ثلاثة : أولها - أن القتل يفترض وقوعه على إنسان حى ، وثانيها - الركن المادى فى القتل ، وثالثها - القصد الجنائى وهو تعمد إزهاق الروح .

الركن الأول - صفة المجنى عليه
إنسان حى : هذا عنصر إضافى فى بعض الجرائم يطلق عليه العنصر المفترض ، فالقتل العمد ازهاق روح إنسان فيفترض أن يكون المجنى عليه حياً وقت قيام الفاعل بنشاطه الإجرامى .
لا يقع القتل إلا على إنسان ، فلو كان محل الجريمة حيواناً تكون من جرائم المال والمجنى عليه فيها هو صاحب الحيوان ( تراجع المادتان 355 و356) . ولا يعتبر الجنين فى أحكام القتل إنساناً ، فإعدامه قبل مولده الطبيعى لا يعد قتلاً وإنما يعد إسقاطاً لحامل يعاقب عليه بمقتضى أحكام الباب الثالث من الكتاب الثالث ( المادة 260 وما بعدها ) .
ويلزم أن يكون المجنى عليه حياً وقت ارتكاب الفعل ، فإذا كان قد فارق الحياة قبل إتيان الفعل فإن جريمة القتل لا تقوم .

الركن الثانى - الركن المادى
عناصر الركن المادى : طبقاً للقواعد العامة يلزم توافر عناصر ثلاثة :
الأول - النشاط الإجرامى ، وهو الأمر الذى يصدر من الفاعل بنية تحقيق النتيجة .. وهو الأمر الذى يتوصل به الفاعل لتحقيق النتيجة المعاقب عليها . ولا تشترط المادة 230 من قانون العقوبات أن يكون القتل بوسيلة معينة ، غاية ما هناك أن الوسيلة المستعملة قد تسهل على المحكمة استظهار نية القتل. والغالب أن تكون وسيلة القتل مادية ، فيستعمل القاتل سلاحاً نارياً أو قاطعاً أو واخزاً أو يستعمل آلة أو أداة راضة ، كما قد يلجأ إلى الخنق أو الإحرق أو الإغراق أو إلقاء المجنى عليه من مرتفع ، وما إلى ذلك .

والثانى - النتيجة التى يعاقب عليها القانون وهى إزهاق الروح ... هو الأمر المترتب على سلوك الفاعل وبه تتم جريمة القتل العمد. وليس من الضرورى أن تتحقق هذه النتيجة إثر نشاط الجانى ، فيصح أن يكون بين العنصرين فاصل زمنى لا يمنع من مساءلة الفاعل عن قتل عمد متى توافرت علاقة السببية . أما إذا لم تتحقق الوفاة بأن أوقف نشاط الجانى أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادته فيه فإن جريمته تكون شروعاً فى قتل عمد توافر القصد الجنائى .

والثالث - علاقة السببية بين نشاط الجانى والنتيجة التى حصلت ... فلا يكفى أن يحصل من الفاعل نشاط إجرامى وأن تقع نتيجة ، وإنما يشترط للقول بتوافر الركن المادى فى حقه أن تنسب هذه النتيجة إلى ذلك النشاط ، أى أن يكون بينهما رابطة سببية . وتعتبر رابطة السببية قائمة إذا كانت النتيجة التى حصلت محتملاً توقعها وفقاً لما تجرى عليه الأمور عادة . فالنظر إلى رابطة السببية يكون من الناحية المادية لا من الناحية المعنوية ، بمعنى أنه لا يرجع فيها إلى توقع الجانى نفسه وإنما إلى توقع حصول النتيجة ذاتها بصرف النظر عما إذا كان الجانى قد توقعها .


تعدد الجناة :
قد يتعدد المتهمون فى قتل مجنى عليه واحد ، وفى هذه الحالة إما أن يكون بين المتهمين تعاون على إحداث القتل أو لا يكون فإذا كان بين المساهمين تعاون على القتل فإنهم يساهمون فى جريمة واحدة ، ونتيجة لوحدة الجريمة يعد مسئولاً عنها كل من ساهم فيها بفعل ثانوى أو بفعل أصلى ، فإذا كانت المساهمة بفعل أصلى فإن المادة 39 من قانون العقوبات لا تفرق بين من يأتى ضربة قاتلة وبين من كانت ضربته ليست قاتلة بذاتها . وينبنى على هذا أنه متى ثبت أن كلا من الفاعلين قد ضرب المجنى عليه بقصد قتله فإنه يتعين الحكم عليهما بعقوبة القتل العمد ولو تعذر تعيين محدث الضربة القاتلة .
أما إذا كان كل من المتهمين قد عمل مستقلاً عن الآخر ، بأن انعدم التعاون بينهم أو نية التداخل أو المساهمة فى الجريمة ، فإن الجريمة لا تكون واحدة ، ومقتضى هذا أن تكون مسئولية كل عن فعله وحده . وبناء عليه قضى بأنه إذا كان الحكم حين اعتبر زيداً مسئولاً عن فعل القتل الذى تم تنفيذه بيد بكر لم يبين توافر الاتفاق بينهما على هذا الفعل ، بل كان كل ما قاله فى هذا الشأن لا يدل على أكثر من مجرد توارد الخواطر على إطلاق الإثنين النار فى وقت الحادث، الأمر الذى لا يرتب فى القانون تضامناً فى المسئولية الجنائية بينهما ، بل يجعل فعل من أطلق العيار ولم يصب مجرد شروع فى القتل العمد متى توافرت أركانه القانونية ، فهذا الحكم يكون قاصر البيان قصوراً يعيبه .
وإذا تعذر تعيين محدث الضربة القاتلة فإن المحكمة تقضى على كل من المتهمين بعقوبة الشروع فى القتل ، فهذا الشروع هو القدر المتيقن فى حق كل منهما.


الركن الثالث : القصد الجنائى
يتطلب القتل العمدى بالإضافة الى الركنين السابق بحثهما ( محل الجريمة إنسان حى والركن المادى ) ـ والذين تشترك فيهما جرائم القتل جميعاً - توافر القصد الجنائى لدى الجانى فالقصد الجنائى هو الركن الذى يخصص هذا النوع من القتل ويميزه عن القتل غير العمدى ، أما بالنسبة لما عداه من الأركان فان القتل العمدى لا يختلف فى شئ عن القتل غير العمدى .

عناصر القصد الجنائى :
القصد الجنائى بصفة عامة هو اتجاه ارادة الجانى الى تحقيق الفعل المكون للجريمة بجميع عناصره كما يحددها القانون . فاذا كان هذا الفعل يتكون من نشاط يباشره الجانى ونتيجة تترتب عليه كما هو الشأن فى القتل فان القصد الجنائى يتطلب فضلاً عن ارادة النشاط ارادة نتيجتة . وبتطبيق ذلك على جريمة القتل نصل إلى أن القصد الجنائى فى هذه الجريمة لا يتوافر إلا إذا انصرفت إرادة الجانى الى أمرين ، أولهما هو العمل أو الامتناع الذى وقع منه والذى تسببت عنه وفاة المجنى عليه ، والأمر الثانى هو إزهاق روح انسان كنتيجة لهذا الفعل أو ذلك الامتناع .
فيلزم أولاً أن تتجة ارادة الجانى الى النشاط الذى صدر منه ايجابياً كان أم سلبياً. فلا يسأل عن قتل بسبب تخلف القصد الجنائى ، فضلاً عن انعدام النشاط كلية من جانبه ، من يثبت أنه كان ضحية اكراه مادى سلب ارادته وجعل منه مجرد أداة مسخرة فى القتل . مثال ذلك أن يضرب شخص غيره أثناء مشاجرة بينهما ويدفعه بعنف فيسقط على طفل ويرديه قتيلاً فى الحال ، ففى هذا المثال لا يكون ثمة محل لمساءلة المضروب عن قتل الطفل لأن سقوطه عليه وهو السبب المباشر للوفاة لم يكن عملاً ارادياً من جانبه .
ولا يكفى أن تتجه إرادة الجانى الى العمل أو الامتناع ، الذى تسببت عنه وفاة المجنى عليه ، وانما ينبغى فضلاً عن ذلك أن تكون هذه الارادة قد انصرفت الى احداث الوفاة كنتيجة لهذا العمل أو الامتناع . فلا يسأل الجانى عن قتل عمدى لتخلف القصد الجنائى حيث يتعذر اقامة الدليل على اتجاه ارادته الى ازهاق روح المجنى عليه ، وحتى لو ثبت أنه قد توقع وفاة المجنى عليه كنتيجة محتملة لفعله . مثال ذلك حالة من يطلق أعيرة نارية فى الأفراح ـ وهى عادة متبعة لدى بعض الأوساط ـ فيصيب أحد الحاضرين ويقتله ، فمثل هذا الشخص وان كان قد توقع النتيجة التى ترتبت على فعله الا أن ارادته لم تنصرف الى احداثها فلا يمكن مساءلته عن قتل عمدى نظراً لتخلف القصد الجنائى لديه وان جاز مع ذلك أن يسأل عن قتل غير عمدى . وكذلك يكون حكم الشخص الذى يطلق أعيرة نارية بقصد الإرهاب فقط فيصيب أحدها انساناً ويقضى على حياته .
ولما كان ازهاق روح الانسان ، وهو يمثل النتيجة الاجرامية فى القتل ، يفترض لتحققه وقوع الفعل على انسان حى ، فان انصراف ارادة الجانى الى احداث هذه النتيجة وتبعا توافر القصد الجنائى لديه يفترض علمه بأنه يوجه فعله الى انسان على قيد الحياة . فيتخلف القصد الجنائى فى القتل اذا كان الجانى وقت مباشرة نشاطه ضحية غلط فى الواقع أدى الى اعتقاده على خلاف الحقيقة بأنه يوجه فعله الى حيوان ، كما اذا كان يسير ليلا فى طريق زراعى فيبصر بكائن يخرج فجأة من زراعة على جانب الطريق فى هيئة حيوان فيظنه ذئبا ويخشى أن يصيبه بسوء فيطلق عليه مقذوفا ناريا ثم يتبين بعد ذلك أن هذا الكائن لم يكن حقيقة الأمر إلا انسانا . كذلك لا يتوافر القصد الجنائى حيث يوجه الجانى فعله الى انسان يعتقد على خلاف الواقع أنه ميت ، كما اذا ظنت الأم خلافا للواقع بعد أن وضعت مولودها غير الشرعى بساعات أنه قد مات فقامت بالقائه فى اليم بقصد التخلص منه تجنبا للعار .
ما لا يؤثر فى توافر قصد القتل (6) :
متى ثبت علم الجانى بأنه يوجه فعله الى انسان حى وأن ارادته قد انصرفت الى ازهاق روحه فان ذلك يكفى لتوافر القصد الجنائى فى القتل . فلا يؤثر فى توافر ذلك القصد وقوع الجانى فى غلط فى شخص المجنى عليه أو فى شخصيته. والغلط فى شخص المجنى عليه هو ما يعبر عنه بالحيدة عن الهدف أو " الغلط فى توجيه الفعل " وصورته أن يخطئ الجانى فى التصويب فيصيب شخصا آخر خلاف الشخص الذى كان يقصده . أما الغلط فى شخصية المجنى عليه ـ فيتحقق فى الحالة التى تلتبس فيها شخصية المجنى عليه على الجانى فيوجه فعله الى شخص ظنا منه على خلاف الواقع أنه هو ضالته المنشودة . ففى هاتين الحالتين لا يحول الغلط الذى وقع فيه الجانى دون توافر القصد الجنائى نظرا لأن هذا الغلط لا ينفى اتجاه ارادته الى تحقيق النتيجة الاجرامية فى القتل وهى ازهاق روح انسان أيا كان ، بغض النظر عن شخصيته .
وعدم اعتداد القانون بشخصية المجنى عليه فى القتل يستتبع كذلك نتيجة أخرى هى عدم التفرقة فى قيام جريمة القتل العمدى بين قصد محدود وقصد غير محدود . فمتى انصرفت ارادة الجانى الى ازهاق روح شخص أو عدة أشخاص وحدثت الوفاة نتيجة لفعله قامت جريمة القتل العمدى دون تفرقة بين الحالة التى يستهدف فيها الجانى ازهاق روح شخص بعينه أو أشخاص معينين بالذات ـ وهذه هى صورة القصد المحدود - وبين تلك التى تتجه فيها ارادته الى مجرد ازهاق الروح دون تعيين للشخص أو الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا ضحايا لفعله . ففى هذه الحالة الاخيرة رغم أن قصد الجانى لم يكن محدودا بالنظر إلى الأشخاص الذين يمكن أن يصيبهم بفعله الا أن انصراف ارادته الى القتل بصفة عامة يكفى لتوافر القصد الجنائى لديه . وتطبيقاً لذلك يعد قاتلا عمدا من يصوب بندقيته الى جمع محتشد ويطلق منها عيارا أو عدة أعيرة فيصيب بعضها شخصا أو أكثر من أفراد هذا الجمع ويقتله . وكذلك يكون حكم الفوضوى الذى يضع قنبلة فى الطريق أو فى مكان عام كمسرح أو ملهى فيترتب على انفجارها وفاة شخص أو عدة أشخاص لم يكن يقصدهم الجانى بالذات .
وأخيراً لا عبرة فى توافر القصد الجنائى بالبواعث على القتل . فقد يكون الباعث على القتل الرغبة فى الانتقام ، أو التخلص من شاهد عيان فى قضية أو تسهيل ارتكاب جريمة أخرى كالسرقة . بل قد يكون الباعث على القتل نبيلاً فى ذاته ولا يحول رغم ذلك دون توافر القصد الجنائى . ولهذا يعد قاتلا عمدا مثلا الطبيب الذى يشاهد مريضا فى النزع الأخير يعانى سكرات الموت فتأخذه به الشفقة ويحقنه بمادة تعجل بوفاته تخليصاً له من آلامه . على أنه اذا كان شرف الباعث لا يؤثر على توافر القصد الجنائى ، فلا يحول دون مسئولية الجانى عن القتل العمدى ، الا أنه قد يكون موضع اعتبار عند القاضى فى تقدير العقوبة فيجوز أن يستمد منه سبباً لتخفيف العقاب فى الحدود التى تسمح بها المادة 17 من قانون العقوبات .

القصد المباشر والقصد الاحتمالى :
قد يتوقع الجانى حدوث الوفاة كنتيجة ضرورية ومؤكدة لفعله فيقدم رغم ذلك على ارتكاب الفعل . وفى هذه الحالة لا يثور أدنى شك فى توافر قصد القتل ، حتى ولو ثبت أن الوفاة لم تكن هى النتيجة التى سعى الجانى الى تحقيقها من وراء فعله مادام أن حدوثها يرتبط فى نظره بتلك النتيجة ارتباطا لازما بحيث لا يتصور تحقيق هذه النتيجة بغير أن تحدث الوفاة . مثال ذلك أن يعمد عدة أشخاص أثناء فترة ثورة أو هياج الى تعطيل المواصلات فيقومون بقلب عربة ترام محملة براكبيها ويترتب على ذلك موت بعض الركاب ، فرغم أن النتيجة التى سعى اليها الجناة لم تكن احداث الوفاة الا أن الوفاة كانت فى نظرهم مرتبطة بتلك النتيجة ارتباطاً لا يقبل التجزئة فيتوافر قصد القتل فى حالتهم .
كذلك قد يتوقع الجانى الوفاة لا على أنها نتيجة ضرورية لفعله - على التفصيل المتقدم - ولكن على أنها ممكنة فقط أو محتملة الحدوث ، وفى هذه الحالة أيضا لا يثور شك فى توافر القصد الجنائى لدى الجانى متى ثبت أنه قد سعى فعلاً الى احداث الوفاة . فيعد مرتكبا لقتل عمدى بدون خلاف من يصمم على قتل غيره فيدس له سما فى طعامه أو يحطم جسرا يعلم أنه يعبره عادة وذلك متى مات المجنى عليه بسبب تناوله الطعام المسموم أو نتيجة لسقوطه من فوق الجسر . فمع أن الجانى فى هذين المثالين لم يتوقع حدوث الوفاة الا على أنها نتيجة محتملة فقط لفعله - اذ من الممكن أن يتشكك المجنى عليه فى الطعام فلا يتناوله أو يتلفت الى تحطيم الجسر فيحجم عن عبوره ـ الا أنه مع ذلك قد سعى الى احداث الوفاة فيتوافر لديه قصد القتل .
على أن البحث بخصوص توافر القصد الجنائى فى القتل يدق فى الحالات التى لا يكون فيها الجانى قد سعى الى احداث الوفاة ، بل كان يستهدف أمرا آخر، ولكنه مع ذلك توقع حدوث الوفاة على أنها نتيجة ممكنة لفعله بمعنى أنها من المحتمل أن تحدث أو الا تحدث . فقد أثار الحكم فى هذه الحالات خلافاً فى الفقه. فرأى البعض أنه من المتعذر اعتبار القصد الجنائى متوافرا لدى الجانى تأسيساً على أن ارادته لم تنصرف الى احداث الوفاة ، بينما ذهب البعض الآخر الى القول بتوافر ذلك القصد . وحجة الفريق الأخير من الفقه أن توقع الجانى للوفاة على أنها نتيجة ممكنة أو محتملة لفعله واقدامه رغم ذلك على ارتكاب الفعل يفيد أنه قد أقر هذه النتيجة على فرض حدوثها فتدخل فى قصده بصفة غير مباشرة أو احتمالية . ولعل الصحيح هو وجوب التفرقة بين الحالة التى يتوقع فيها الجانى الوفاة فيرغب عن حدوثها ويأمل فى تلافيها اعتمادا على مهارته وقدرته على التحكم فى نتائج فعله ، وفيها لا يتوافر قصد القتل لدى الجانى ، وبين الحالة التى يرحب فيها الجانى باحتمال حدوث الوفاة على اعتبار أن حدوثها - فى نظره - فرصة أو مناسبة لاشباع باعث معين له .
وفى هذه الحالة الأخيرة بالعكس يعد قصد القتل متوافرا فى جانب الجانى ويوصف حينئذ بالقصد الاحتمالى أو القصد غير المباشر تميزا له عن القصد المباشر الذى يتحقق فى الحالة التى يسعى فيها الجانى مباشرة الى احداث الوفاة باعتبارها هدفه الأصيل أو يتوقعها على أنها نتيجة لازمة لفعله . ومثال القصد الاحتمالى أن تضع الزوجة مولودا ظن زوجها أنه ثمرة علاقة غير مشروعة بينها وبين رجل آخر ثم يدب شجار بين الزوجين يقوم الزوج خلاله بضرب زوجته وهى تحمل مولودها بين ذراعيها فيتوقع أن يؤدى الضرب الى اصابة المولود وقتله ولكنه يقبل هذا الاحتمال ويرحب بتحقيقه ثأرا لشرفه وكيدا لزوجته الخائنة فى نظره .

طبيعة القصد الجنائى فى القتل :
القصد الجنائى بصفة عامة نوعان : قصد عام ، وهو الذى يكفى لتوافره انصراف ارادة الجانى الى تحقيق الفعل المكون للجريمة بجميع عناصره كما يحددها القانون ، وقصد خاص وهو يتطلب فضلا عما تقدم ارتكاب الفعل بنية خاصة أو تحقيقا لغاية معينة . فالى أى من هذين النوعين ينتمى القصد الجنائى فى القتل ؟
يذهب الرأى السائد فى الفقه والقضاء الى اعتبار القصد الجنائى فى القتل قصدا خاصا ، وذلك بحجة أن هذا القصد يفترض لتوافره ارتكاب الجانى لفعله بنية خاصة هى ازهاق روح المجنى عليه أو ما تعبر عنه أحكام القضاء بنية القتل. وقد رتبت محكمة النقض على ذلك عدم امكان مساءلة الجانى عن قتل عمدى متى ارتكب فعله وهو فى حالة سكر بين أفقده شعوره سيرا فى ذلك على الخطة التى رسمتها هذه المحكمة فى شأن تحديد مسئولية السكران - الذى تناول المسكر بعلمه واختياره - والتى تقوم على التفرقة بين الجرائم التى تتطلب قصدا جنائيا خاصا وبين تلك يكتفى فيها القانون بالقصد الجنائى العام .
ويقول د/ عمر السعيد رمضان : ومع ذلك فهذا الرأى غير صحيح فى تقديرنا. وذلك لأن نية القتل لا تعنى شيئاً سوى انصراف ارادة الجانى إلى ازهاق الروح. ولما كان ازهاق الروح يمثل عنصر النتيجة فى جرائم القتل ، فان تطلب نية القتل لتوافر القصد الجنائى فى جريمة القتل العمدى لا يفيد استلزام شئ أكثر من انصراف ارادة الجانى الى الفعل المادى المكون للجريمة بعناصره التى يحددها القانون فيكون الأصح اذن اعتبار ذلك القصد قصدا عاما لا قصدا خاصا .

اثبات القصد الجنائى وبيانه فى الحكم:
لما كان القصد الجنائى هو الركن المميز لجريمة القتل العمدى فانه ينبغى لادانه المتهم فى هذه الجريمة التثبت من توافر ذلك القصد واقامة الدليل عليه .
ويثبت القصد الجنائى فى القتل باقامة الدليل على توافر العناصر التى يتكون منها ، وهى علم الجانى بأن المجنى عليه انسان حى ، وانصراف ارادته الى النشاط الذى صدر منه والى النتيجة الاجرامية التى ترتبت عليه أى وفاة المجنى عليه .
بيد أنه لما كان علم الجانى بأنه يوجه فعله الى انسان حى وانصراف ارادته الى العمل أو الامتناع الذى صدر منه والذى تسببت عنه وفاة المجنى عليه من الأمور المفترضة عادة حتى يقوم الدليل على عكسها ، فان اثبات القصد الجنائى فى القتل ينحصر عملا فى اقامة الدليل على اتجاه ارادة الجانى الى ازهاق الروح أو بتعبير آخر ينحصر فى اثبات توافر نية القتل لديه . ويستدل على هذه النية من كل ما يؤدى عقلا الى القول بتوافرها ، وبصفة خاصة نوع الأداة المستعملة وكيفية استخدامها وموضع الاصابة وجسامتها وظروف الاعتداء ودوافعه وعلاقة الجانى بالمجنى عليه .
وينبغى على المحكمة أن تعنى فى حكمها باستظهار نية القتل وايراد العناصر التى استخلصها منها والا كان حكمها قاصرا قصورا يستوجب نقضه .
على أن الفصل فى توافر هذه النية أو تخلفها فصل فى مسألة موضوعية فيخضع للتقدير النهائى لقاضى الموضوع دون رقابة عليه فى ذلك من محكمة النقض ومع ذلك يسوغ لمحكمة النقض أن تتعرض لتقدير قاضى الموضوع وأن تراجعه فيه متى كانت الأسباب التى يستند اليها فى القول بتوافر نية القتل لا تتفق عقلاً والنتيجة التى انتهى اليها .
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه اذا كان كل ما قاله الحكم المطعون فيه فى صدد توافر نية القتل هو أنها مستفادة من نوع السلاح الذى استعمله المتهمون فهو من شأنه أن يزهق الأرواح وأعد لهذا الغرض فان هذا البيان يكون قاصرا قصورا يعيب الحكم مما يستوجب نقضه ، وذلك لأن مجرد استتعمال سلاح قاتل بطبيعته لا يقطع بتوافر نية القتل وانما ينبغى أن يثبت أن القصد من استعمال هذا السلاح كان اصابة موضع قاتل من جسم المجنى عليه. وقضى بأن الحكم يكون قاصرا أيضا وان لم يقتصر فى استظهار نية القتل على كون السلاح الذى استخدمه الجانى من الأسلحة القاتلة بطبيعتها وانما استدل عليها أيضا من حدوث الاصابة فى موضع قاتل من جسم المجنى عليه كالقلب أو الرأس ، وذلك لأن من يصيب غيره فى موضع قاتل باستخدام سلاح أعد خصيصا للقتل لا تتوافر لديه حتما نية القتل اذ قد تكون اصابة المجنى عليه فى هذا الموضع غير مقصودة من جانب الجانى .