جريمة التنمر

 

السياسة الجنائية المعاصرة

في مواجهة جريمة التنمر

 

 

 

الدكتور

يحيى إبراهيم دهشان

مدرس القانون الجنائي

كلية الحقوق - جامعة الزقازيق

 


الملخص

تعد مواجهة جريمة التنمر من الأولويات في النقاشات القانونية المعاصرة، خاصةً مع تنامي الإدراك بتأثيرات التنمر السلبية على الأشخاص والمجتمع بأسره. مما استدعى ضرورة وضع استراتيجيات شاملة وفاعلة لمكافحته. فالتنمر، بمختلف أنواعه وأشكاله، يُعد انتهاكاً للحقوق الفردية ولذا وجب اتخاذ خطوات رادعة ووقائية لمواجهته.

وتكمن أهمية الموضوع في كون السياسة الجنائية تمثل الخط الأول للدفاع في حماية الأفراد والمجتمع من آثار هذا السلوك الضار. وتعمل على تطوير الأطر القانونية التي تحدد العقوبات الرادعة لمرتكبي هذه الجرائم، أما أهداف الموضوع فتتمثل في إيجاد نظام قانوني فعال يضمن حماية الأفراد من السلوك العدائي والمهين ويحقق الردع ودعم الضحايا ومعالجة الأسباب الجذرية للتنمر.

وعن إشكاليات الموضوع فتتمثل أهمها في: كيف يتم التفرقة بين التنمر وبين جرائم التمييز والإيذاء الشبيهة به؟ ما بدائل الحبس قصير المدة في جريمة التنمر؟ هل يجوز توقيع عقوبة التنمر السالبة للحرية على المتنمر الحدث (الذى لم يبلغ الثامنة عشر عاما)؟ هل تحقق عقوبات التنمر الردع الكافي بحكم أنها قد تكون عقوبات مالية أو حبس قصير المدة؟ هل واجه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 جريمة التنمر الالكتروني؟

وتوصلنا لمجموعة من النتائج المتمثلة في: يأخذ التنمر أشكالاً متعددة، منها الجسدية، اللفظية، النفسية، والإلكترونية، كما يمكن تصنيف التنمر إلى نوعين أساسيين التقليدي والحديث(الالكتروني). وأيضا يمكن للتنمر أن يتداخل ويتشابه مع جرائم أخرى في بعض جوانبه، مما يجعل التمييز بينها أحيانًا أمرًا يشكل تحديًا للمتخصصين، مثل: جريمة التحرش والاعتداء الجسدي، والتهديد، والسب والقذف، والتشهير، والتمييز، والتعدي على الخصوصية، والاستغلال، وغيرها من الجرائم التي لا تقع تحت حصر. وتوصلنا إلى اختلاف تسمية سلوك التنمر في العديد من الأنظمة القانونية.

وانتهينا إلى توصيات أهمها: نوصى المشرع المصري بإدخال بدائل الحبس قصير المدة في عقوبة جريمة التنمر، بحكم أن عقوبة تلك الجريمة تتمثل في الحبس القصير. كما نوصي بتعديل تشريعي بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المصري، ووضع تعريف محدد للتنمر الالكتروني، وتوضيح صورة، وتحديد عقوبات مقرره له. إنشاء قنوات إبلاغ متنوعة ومناسبة للأطفال والمراهقين للإبلاغ عن التنمر، مثل خطوط الهاتف المجانية، المواقع الإلكترونية، والتطبيقات الذكية. توفير برامج قانونية للعلاج وإعادة التأهيل للأشخاص الذين يرتكبون أعمال تنمر، خاصة القاصرين.

الكلمات الدلالية: جريمة التنمر، السياسة الجنائية المعاصرة، مكافحة التنمر الالكتروني، جريمة الايذاء، جرائم الأحداث.

 



Abstract

Confronting the crime of bullying is a priority in contemporary legal discussions, especially with the growing awareness of the negative effects of bullying on individuals and society as a whole. This necessitated the development of comprehensive and effective strategies to combat it. Bullying, in all its forms and types, is a violation of individual rights, and therefore deterrent and preventive steps must be taken to confront it.

The importance of the topic lies in the fact that criminal policy represents the line of defense to protect individuals and society from the effects of this harmful behavior. It works to develop legal frameworks that determine deterrent penalties for the perpetrators of these crimes. The objectives of the subject are to create an effective legal system that guarantees the protection of individuals from hostile and insulting behavior, achieves deterrence, supports victims, and addresses the root causes of bullying.

Regarding the problems of the topic, the most important of them are: How is bullying distinguished from crimes of discrimination and abuse similar to it? What are the alternatives to short-term imprisonment for the crime of bullying? Is it permissible to impose a custodial penalty on a juvenile bully (who has not reached eighteen years of age)? Does the Anti-Information Technology Crimes Law address the crime of cyberbullying?

We reached a set of results represented in: Bullying takes multiple forms, including physical, verbal, psychological, and electronic. Bullying can overlap and be similar to other crimes in some of its aspects, such as: the crime of harassment, physical assault, threats, insults and slander, and other crimes that do not It falls under confinement. We found that bullying behavior is called differently in many legal systems.

We concluded with recommendations, the most important of which are: We recommend introducing alternatives to short-term imprisonment in the penalty for the crime of bullying, and a legislative amendment to the law on combating cybercrimes to establish a specific definition of cyberbullying, clarify its picture, and specify penalties for it. Establish appropriate reporting channels for children and adolescents to report bullying, such as toll-free telephone lines and websites.

Keywords: bullying crime, contemporary criminal policy, combating cyberbullying, victimization crime, juvenile crimes.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة

أولا- موضوع البحث:

السياسة الجنائية المعاصرة في مواجهة جريمة التنمر تعتبر موضوعًا محوريًا في النقاش القانوني والاجتماعي الحديث، فمع تزايد الوعي بالآثار الضارة للتنمر على الأفراد والمجتمعات، برزت الحاجة الملحة لتطوير استراتيجيات فعالة ومتكاملة لمواجهته. فالتنمر، بكل أشكاله وصوره، يمثل اعتداءً على الحقوق الأساسية للأفراد ويؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي، مما يدفع السياسة الجنائية لتبني تدابير رادعة ووقائية للتصدي لهذه الظاهرة.

في هذا الإطار، تعمل السياسة الجنائية المعاصرة على تحديد وتصنيف الأفعال التي تُعتبر تنمرًا ووضع الأطر القانونية اللازمة لمعاقبة مرتكبيها. وتشمل هذه التدابير ليس فقط العقوبات الجنائية، بل أيضًا الإجراءات التعليمية والوقائية لرفع مستوى الوعي بأضرار التنمر وطرق التعامل معه. كما إن الهدف الأساسي للسياسة الجنائية ليس فقط معاقبة الجناة، بل أيضًا توفير بيئة آمنة وداعمة تمنع حدوث الجريمة من الأساس.

ومن المهم أن تتضمن هذه السياسات تدابير خاصة تراعي الفئات الأكثر عرضة للتنمر، مثل الأطفال والمراهقين، وأن تشمل آليات لدعم الضحايا وتعزيز قدرتهم على التعافي من آثار الجريمة. كما يجب على السياسة الجنائية التعامل بحزم مع التنمر الإلكتروني، وهو شكل متزايد الانتشار في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

وتتطلب السياسة الجنائية المعاصرة تعاونًا متعدد الجوانب بين الجهات التشريعية، الجهات التنفيذية، والمؤسسات التعليمية والمدنية، لضمان تطبيق فعال للقوانين وتحقيق الأهداف المنشودة. فينبغي أن تراعي هذه السياسات الأبعاد النفسية والاجتماعية للتنمر وأن تقدم حلولاً شاملة تتناول الأسباب الجذرية للمشكلة، بما في ذلك العوامل الثقافية والاقتصادية التي قد تسهم في انتشار هذه الظاهرة.

وفي الختام، تُعد السياسة الجنائية المعاصرة في مواجهة جريمة التنمر جزءًا أساسيًا من جهود المجتمع لضمان الأمان والاحترام المتبادل بين الأفراد. من خلال تطبيق نهج شامل ومتكامل، يمكن الوصول إلى مجتمع يسوده الوعي الكامل بحقوق الإنسان والتسامح.

 

ثانيا- أهمية البحث:

تبرز أهمية السياسة الجنائية المعاصرة في مواجهة جريمة التنمر في كونها تمثل الخط الأول للدفاع في حماية الأفراد والمجتمع من آثار هذا السلوك الضار. وتعمل السياسة الجنائية على تطوير الأطر القانونية التي تحدد العقوبات الرادعة لمرتكبي هذه الجرائم، مما يساعد في تقليل الحوادث والحد من انتشارها. كما أنها تلعب دورًا حاسمًا في توجيه الوعي المجتمعي حول خطورة التنمر وتأثيراته النفسية والاجتماعية على الضحايا.

وتسهم السياسة الجنائية المعاصرة أيضًا في إعلاء قيم العدالة والمساواة، من خلال ضمان أن يتم التعامل مع جميع الحالات بشكل عادل ومتسق. كما إنها تعزز مبادئ حماية الضحايا وتوفر لهم الدعم القانوني والنفسي اللازم. بالإضافة إلى ذلك، تشجع السياسة الجنائية على تبني استراتيجيات وقائية وتربوية في البيئات التعليمية والعملية لتجنب حدوث التنمر من الأساس.

ويضمن تركيز السياسة الجنائية على تحديث القوانين والإجراءات مواكبتها للتغيرات التكنولوجية والاجتماعية المستمرة، ما يساعد في التصدي لأشكال التنمر الجديدة والمعقدة. ومن خلال تطبيق هذه السياسات بفاعلية، يمكن للمجتمعات أن تنشئ بيئة أكثر أمانًا واحترامًا لحقوق الأفراد، ما يساهم في خلق جيل جديد يتمتع بوعي أكبر بأهمية الاحترام المتبادل والتسامح.

 

ثالثا- أهداف البحث:

تتمحور أهداف السياسة الجنائية المعاصرة في مواجهة جريمة التنمر حول إيجاد نظام قانوني فعال يضمن حماية الأفراد من السلوك العدائي والمهين. والهدف الأول من هذه الأهداف هو الردع، حيث تسعى هذه السياسة إلى تقديم رسالة واضحة بأن التنمر سلوك غير مقبول اجتماعيًا ويترتب عليه عقوبات قانونية، ويتضمن ذلك تحديد عقوبات مناسبة للجناة لمنع تكرار هذا السلوك. أما الهدف الثاني يتمثل في التوعية والتثقيف، حيث تركز السياسة الجنائية أيضًا على نشر الوعي حول خطورة التنمر وتأثيراته السلبية على الضحايا.

وتشمل الأهداف كذلك تقديم الدعم والحماية للضحايا، من خلال توفير آليات قانونية ودعم نفسي واجتماعي لهم، ويتم التركيز أيضًا على تعزيز دور القضاء والشرطة في التعامل مع هذه الجرائم بفعالية، وتحسين آليات التحقيق وجمع الأدلة. إضافة إلى ذلك، تهدف السياسة الجنائية إلى معالجة الأسباب الجذرية للتنمر، مثل المشكلات الاجتماعية والتعليمية، من خلال العمل مع المؤسسات التعليمية والمجتمعية لخلق بيئة آمنة وداعمة ترفض التنمر.

وأخيرًا، تسعى السياسة الجنائية إلى التطوير المستمر للتشريعات والممارسات القانونية لتواكب التطورات الاجتماعية والتكنولوجية، وذلك لضمان استجابة شاملة ومتكاملة لهذه الجريمة المعقدة.

 

رابعا- إشكاليات البحث:

تتمثل الإشكالية الرئيسية لموضوع الدراسية في، ما وجه السياسة الجنائية المعاصرة في مواجهة جريمة التنمر، وتتفرع منها عدة إشكاليات فرعية، تتمثل في:

-        ما هو التعريف القانوني الدقيق للتنمر وكيف يمكن تمييزه عن السلوك العدواني العام؟

-        كيف يتم التفرقة بين التنمر وبين جرائم التمييز والإيذاء الشبيهة به؟

-        كيف يتم تصنيف التنمر في القانون - هل كجريمة ضد الأشخاص، أم الأخلاق، أم جريمة إلكترونية؟

-        كيف يتم التفريق بين العقوبات المفروضة على الأطفال والبالغين الذين يمارسون التنمر؟

-        كيف تحمي القوانين حقوق الأطفال والمراهقين في بيئة تعليمية خالية من التنمر؟

-        كيف تحدد العقوبات المناسبة للتنمر، والتي يجب أن تكون رادعة ولكن لا تنتهك حقوق الأطفال والمراهقين في التأهيل والإصلاح.

كما ينتج عن إشكالية البحث عدة تساؤلات تتمثل في الآتي:

-        هل يعد تنمرًا اشتراط خلع النساء الحجاب قبل دخول نادي أو فندق؟

-        هل يقع الاشتراك في جريمة التنمر عن طريق المساعدة بسلوك سلبي؟

-        هل تقع جريمة التنمر من أول اعتداء يحدث من الجاني تجاه المجني عليه؟ أم يشترط تكرار السلوك أكثر من مره للمعاقبة؟

-        العبرة في تحديد تأثير السلوك المكون لجريمة التنمر، هل هو بمدى تأثيره على المجني عليه، أم بمقياس الشخص العادي؟

-        ما هي العقوبات المناسبة للتنمر وكيف يمكن توفيقها مع الحق في الخصوصية وحرية التعبير؟

-        ما بدائل الحبس قصير المدة في جريمة التنمر؟

-        هل يجوز توقيع عقوبة التنمر السالبة للحرية على المتنمر الحدث (الذى لم يبلغ الثامنة عشر عاما)؟

-        هل تحقق عقوبات التنمر الردع الكافي بحكم أنها قد تكون عقوبات مالية أو حبس قصير المدة؟

-        هل واجه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 جريمة التنمر الالكتروني؟

-        مدى مسئولية المدارس والمعلمين عن منع التنمر والتعامل معه؟

-        ما الحد الفاصل بين سلوك التنمر والسلوك الطبيعي للأطفال؟

 

خامسا- نطاق البحث:

يتمثل نطاق البحث في حدود الدراسة التي يشملها موضوع البحث، ونطاق موضوعنا هنا يتحدد في نطاق موضوعي ونطاق مكاني. فبالنسبة للنطاق الموضوعي يتمثل في جريمة التنمر، والنطاق المكاني فيتمثل في استعراض السياسة الجنائية المعاصرة في مواجهة جريمة التنمر بعدد من الدول العربية والأجنبية وهى مصر والسعودية وفرنسا.

وهذه هي حدود بحثنا التي سنتحدث خلالها.

 

سادسا- منهج البحث:

في إطار بحثنا، نتبع منهجية تحليلية مقارنة. حيث نستعين بالتحليل لتوضيح المسائل البحثية المتعلقة بدراستنا، مما يسهم في تبسيط عملية الفهم والدراسة. من جهة أخرى، نعتمد على المقارنة في سياق بحثنا لاستعراض ومقارنة كيفية تعاطي الدول والتشريعات المختلفة مع موضوع جريمة التنمر.

 

 

سابعا- خطة البحث:

 

الفصل الأول: ماهية التنمر

المبحث الأول: مفهوم التنمر والتفرقة بينه وبين الجرائم الشبيهة به

المبحث الثاني: صور التنمر التقليدي والحديث

الفصل الثاني: أركان جريمة التنمر

المبحث الأول: الركن المادي

المبحث الثاني: الركن المعنوي

الفصل الثالث: مكافحة جريمة التنمر

المبحث الأول: مكافحة جريمة التنمر في القوانين المقارنة

المبحث الثاني: مكافحة جريمة التنمر طبقا لأشهر الفئات المعرضة له

 

0 تعليقات