التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي

 

التحكيم في عقود

الاحتراف الرياضي

 

 

 

إعداد

المستشارة الدكتورة

نورهان سعيد حسين علي

عضو بهيئة قضايا الدولة

ومدرس القانون المدني

كلية الحقوق جامعة الزقازيق سابقا

 

 

1444 هـ | 2023 م

 

مقدمة عامة

أولا- موضوع الدراسة:

إن تقدم الدول في الرياضة يعكس مدى التقدم في استخدام الإدارة الرياضية الحديثة في كافة أنشطتها الرياضية ، إذ كلما ارتقى مستوى الإدارة فيها كلما تحسن مستواها الرياضي.

حيث يعيش العالم في السنوات الأخيرة عصراً جديداً يحفل بالعديد من المتغيرات، وهذه المتغيرات فرضت على الدول باختلاف أنواعها ومستوياتها سواء النامية أو المتقدمة التقدم والتطور في كافة المجالات بما فيها الرياضة وبما يواكب متطلبات هذا العصر.

والفراعنة هم أول من مارسوا الرياضة في العالم ، وعرفوا الاحتراف وذلك من خلال تنافسهم على مراكز الحكم ، ويدل على ذلك اللوحات الموجودة على جدار معبد رمسيس الثاني بمدينة "هابو" غرب الأقصر ولوحة أمنمحات وهو يجرى في شوط القربان الموجودة في متحف "بوسطن" بالولايات المتحدة الأمريكية ([1]).

وفى العصر الروماني في القرن الثالث دخلت الرياضة ضمن اهتمامات النبلاء ، والحكام في إطار التنافس بين المدن ، والقرى المختلفة من أجل إثبات الوجود والقوة ، وفى عام 293 ق . م أصدر مرسوماً بإلغاء الألعاب الأولمبية لأنها تثير الغضب والعراك بين الأولمبي اليوناني والروماني ، وذلك كان بسبب أن أساء المتسابقون الرومانيون إلى أحد أهم مبادئ الأولمبياد وهو مبدأ الهواية ، فأخذوا يطوفون البلاد ويقومون ببعض الألعاب الاستعراضية والتي مهروا فيها وذلك نظير هدايا وأموال فخرجوا عن دائرة الهواية إلى دائرة الاحتراف ، وبإلغاء الدورات الأولمبية لتجنب صفة الاحتراف لم يكن هذا حلاً حكيماً لأنه قضى على الدورات الأولمبية القديمة التي مكثت من عام (1169 ) إلى بداية عام (1894) وقامت أول دورة بأثينا باليونان عام (1896)([2]).

وهذا أدى إلى أن سعى الأغنياء إلى استئجار العبيد الرياضيين الأقوياء وتدريبهم وتحمل كل نفقات حياتهم ودفع الضرائب المقررة عليهم وذلك لإعدادهم للمشاركة في المسابقات الرياضية ومنحهم الجوائز الضخمة في حالة فوزهم، حيث كان أول إعلان للاحتراف الحقيقي في تاريخ الرياضة ، كما أن النبلاء الذين يمتلكون العبيد الفائزين ينالون قدراً كبيراً جداً من الأموال من حصيلة المراهنات التي دخلت الرياضة للمرة الأولى([3]).

ومكانة الرياضي المحترف مرت بتطور يعكس مدى الاحترام الذي كانت تلقاه الرياضة عامة والاحتراف خاصة ، فقد كان الرياضي المحترف في العصور القديمة محلاً للاحترام والتقدير من جانب الناس ، وكانوا ينظرون إليه على أنه بطل الأبطال إلا أنه في العصور الوسطى ، تغيرت النظرة ، فكان ينظر إلى احتراف الرياضة على أنه مهنة من لا مهنة له ، ثم عكست ظروف التطور التي مر بها احتراف الرياضة وخاصة رياضة كرة القدم في انجلترا، الحالة التي آلت إليها هذه الرياضة في العصور الوسطى من اضمحلال وانحدار. فقد ساهمت الرياضة مساهمة هامشية في تلك الحقبة من الزمن والسبب في ذلك هو بروز رياضة الهواة([4]).

ومع بداية الألعاب الأولمبية الحديثة في عام (1896) في أثينا تم فتح الباب للهواة وتمسك "دى كوبرتان" بالهواية في المجال الرياضي ، وذلك تعبير عن خوفه الشديد من أخطار الاحتراف والتي كانت السبب في القضاء على التاريخ الأولمبي القديم([5]).

وبالرغم من الانتشار السريع للهواية في الرياضة خلال القرن العشرين وطغيانها على الاحتراف في السنوات الخمسين الأولى من (1900 إلى 1950) ، إلا أن الاحتراف طغى بقوة في السنوات الأربعين الأخيرة خاصة في كرة القدم والسلة والتنس والسيارات والبيسبول والجولف والدراجات ، حتى وصل السماح للاعبين المحترفين في كرة القدم والسلة والتنس بالاشتراك في دورات الألعاب الأوليمبية وهو الأمر الذي بدأ في دورة سيول عام (1988) ومن ثم انتشرت ظاهرة الاحتراف الرياضي حتى الوقت الحاضر([6]).

الاحتراف أصبح في الأنشطة الرياضية مطلباً حيوياً بين متطلبات القرن الحديث في الدول العربية ولا يستطيع أي مسئول أو باحث أن يتجاهل الاحتراف ، ولكن لابد وأن تكون تجربة الاحتراف نابعة من ظروف واقتصاديات كل دولة([7]).

ظهور التحكيم في منازعات الاحتراف الرياضي

تأكدت الباحثة مما سبق ذكر أن الرياضة والمصالح التجارية متلازمان ، والاحتراف جزء أساسي من أجزاء الرياضة الحديثة ويعتبر مصدراً من مصادر المتاجرة في الرياضة وتتمثل في استثمار اللاعبين مالياً وتسويقياً وإعلامياً وإعلانياً ، والعائد الذي يدره الاحتراف من دخل الإعانات والبث التليفزيوني وتسويق المباريات ، يدر ربحاً مادياً على القائمين عليه، ويمكن ان  تثار الكثير من  النزاعات القضائية  بين  اللاعبين وبين الأندية ، ويعتبر القضاء الطريق الطبيعي لفض تلك المنازعات ، وإقرار العدالة ، ولكن مع تطور الحياة  الرياضية ، والتغيير في أنماط العلاقات  بين  الأطراف  في  هذا المجال ، ظهرت وسائل أخرى اختيارية يلجأ إليها الأطراف بمحض إرادتهم لفض المنازعات التي تنشأ بينهم بدلاً من لجؤهم إلى نظام التقاضي أمام المحاكم التي تنظمها الدولة([8]).

ومن أهم هذه الوسائل الاختيارية، نظام التحكيم. فقد ارتبط التحكيم في الفترة الأخيرة بفكرة التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية باعتباره الوسيلة المثلى لحسم المنازعات على الصعيد الدولي، لما يحمله من مميزات لا تتوافر في قضاء الدولة، أهمها : بساطة وسرية الإجراءات وسرعتها، وإعطاء الحرية للأطراف في اختيار محكمين لهم خبرة في مجال النشاط الذي يتعلق به النزاع، وتوفير الثقة والطمأنينة للمستثمرين الأجانب (2).

وقد أبرم بشأن التحكيم العديد من الاتفاقيات الدولية (3)، وأنشئت له الكثير من المراكز الدولية لتقديم الخدمات التحكيمية (4)، كما عنى المشرع في مختلف الدول على وضع تنظيماً عاماً له (5).

وإذا كان اللجوء إلى التحكيم لا يثير الكثير من المشاكل القانونية في عقود القانون الخاص، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة لعقود القانون العام. فمن المعروف أن العقود الاحترافية تتمتع بخصائص ذاتيةٍ تميزها عن غيرها من العقود الأخرى، وتخضع بصفة أساسية لأحكام القانون الإداري، ويعهد إلى القضاء الإداري بنظر النزاعات الناشئة عن تنفيذها، وبالتالي فإن من شأن إجازة التحكيم بصدد هذه العقود أن يؤثر بالسلب على خصائصها الذاتية، وبخاصة إذا استبعدت أحكام القانون الإداري، وطبقت بشأنها أحكام القانون الخاص، علاوة على الاعتداء على الاختصاص الأصيل للقضاء الإداري بنظر المنازعات المتولدة عن تلك العقود. لذا كان من غير المستغرب أن يصف الفقهاء الفرنسيون الذين عالجوا إشكالية التحكيم في العقود الإدارية العلاقة القائمة بين التحكيم والعقد الإداري بأنها علاقة في صراعٍ دائمٍ (1)، ويوجد استحالة التعايش بينهما (2).

ثانيا- أهمية الدراسة:

ترجع أهمية موضوع التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي لسببين، أولهم اتساع نطاق الأنشطة الرياضية وما ترتب عليه من انتشار للعقود التي تنظمها، وبالتالي ظهرت الكثير من النزاعات والخلافات المتعلقة بتلك العقود، واتجه الأطراف إلى التحكيم لحل تلك النزاعات نظرا لصعوبة إجراءات التقاضي الطبيعي بجانب طول أمد النزاعات أمام القضاء مما جعلوا يفضلون الطريق البديل وهو التحكيم.

وثانيهم أن عقود الاحتراف الرياضي غالبا ما ترتبط بحقوق مالية ضخمة ويترتب على أي نزاع متعلق بتلك العقود، مطالب أحد الأطراف بتعويضات تتناسب مع تلك الاضرار، مما يتطلب الخروج عن القواعد المألوفة في التقاضي الطبيعي واللجوء إلى التحكيم الذي يتفهم الطبيعة الخاصة لتلك العقود، ويطبق ما اتجهت إلى رغبه طرفي التعاقد من ضوابط وشروط وردت في التعاقد، وتحفظ حقوقهم.

تلك الأسباب كانت هي الدافع أمامنا إلى اختيار موضوع التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي، بجانب الرغبة في التطرق لنقاط متعلقة بفنيات التحكيم والمحاكم التي تنظر النزاعات وآليات عملها وحجية الأحكام الصادرة منها وطرق الطعن على تلك الأحكام، وأيضا بحث ما يتعلق بعقود الاحتراف الرياضي من تكوينها وطبيعتها وأطرافها وأركانها وانقضاؤه، وما تثيره كل تلك الجزئيات من إشكاليات نتناولها في حينها.

ثالثا- أهداف الدراسة:

نهدف من وراء الكتابة في موضوع التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي، إلى الوصول لأفضل الطرق في حل منازعات عقود الاحتراف الرياضي، واستعراض الاليه الحالية المتعلقة بحل منازعات تلك العقود وهي التحكيم، بجانب التطريق إلى الطرق الحديث المتمثلة في التحكيم الالكتروني، مع استعراض هيئات التحكيم المحلية والدولية، وآليه عملها وقوة الأحكام التي تصدر منه.

بجانب بحث الضوابط المتعلقة بإبرام عقود الاحتراف الرياضي والتأكد على الشروط الجوهرية التي يجب أن تتوافر في عقد الاحتراف مع استعراض التزامات طرفي العقد سواء النادي الرياضي أو اللاعب المحترف، من أجل الوصول إلى شكل مثالي لعقد الاحتراف الرياضي يسد جميع الثغرات التي قد توجد في تلك العقود.

ما سبق كان ملخص لأهم الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها وإظهارها من خلال كتابتنا بموضوع التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي، وللمساهمة في توضيح ما هو مبهم منها، ووضع قواعد جديدة ميسرة في هذا المجال، بجانب توضيح المستحدث في نطاق التحكيم ونطاق العقود الرياضية، وأيضا اصلاح ما هو موجود من ثغرات واكتشاف الإشكاليات المتعلقة بالموضوع وحلها.

رابعا- إشكاليات الدراسة:

يشكل موضوع التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي العديد من الإشكاليات والتساؤلات، وكانت هي الحافز لاختيارنا هذا الموضوع لدراسته والكتابة به، ونعرض بعضا منها في هذه الجزئية مع محاولة الوصول لحلول وإجابات عنها من خلال صفحات هذه الدراسة، وأهم تلك الإشكاليات وهي:

-    هل الشكلية في عقد الاحتراف الرياضي ركن انعقاد أم وسيلة إثبات؟

-    مدى حرية مصدر الايجاب البات (النادي الرياضي) في العدول عنه بعد صدوره؟

-    ما مبررات اللجوء إلى التحكيم الرياضي ؟

-    هل يتمتع التحكيم الرياضي بذاتية من حيث صوره وشروطه؟

-    ما الأهلية التي لابد أن يتمتع بها الشخص الرياضي؟

-    ما هي الطبيعة القانونية للمنازعات الرياضية؟

-    هل التحكيم في منازعات الاحتراف الرياضي ذا طبيعة تعاقدية أم طبيعة قضائية أم مختلطة؟

-    ما مدي إلزام حكم التحكيم للقضاء الوطني وللأطراف؟

-    هل التحكيم في منازعات الاحتراف الرياضي بديل قانوني للمحاكم الوطنية أو الدولية؟

-    ما الطبيعة القانونية لمحكمة التحكيم الرياضية (CAS) ؟

-    هل يوجد درجات للتقاضي أمام محكمة التحكيم الرياضية (CAS) ؟

-    ما الحجية التي تتمتع بها الأحكام الصادرة عن محكمة التحكيم الرياضية (CAS) ؟

-    ما أبرز مؤسسات التحكيم الإقليمية وكيفية تشكيلها ؟

 

خامسا- منهج الدراسة:

نعتمد في هذه الدراسة، المنهج التحليلي والتأصيلي والمقارن، حيث نحتاج المنهج التحليلي؛ من أجل شرح الموضوعات المختلفة التي تعالجها هذه الدراسة، مع إيراد العديد من الأمثلة العملية للتحكيم في عقود الاحتراف الرياضي؛ ولاستخلاص النتائج التي تترتب على هذا التحليل، كما نستخدم المنهج التأصيلي في رد النقاط التفصيلية إلى أصولها النظرية، فقد رجعنا إلى القواعد العامة للعقود المدنية عند البحث في عقود الاحتراف الرياضي، وكذلك رجعنا للقواعد العامة في التحكيم عند ربط البحث في التحكيم بالموضوعات محل الدراسة،  والمنهج المقارن أفاد دراستنا حيث ساعدت المقارنة بين التشريعات المختلفة في الوصول إلى نتائج عظيمة.


سادسا- خطة الدراسة:

نتناول موضوع التحكيم في عقود الاحتراف الرياضي من خلال بابين يسبقهما فصل تمهيدي بعنوان ماهية التحكيم الرياضي، وننتقل بعده إلى الباب الأول والذي يأتي بعنوان عقد الاحتراف الرياضي بين تكوينه وطبيعته، ويضم ماهية الاحتراف الرياضي في فصل أول، والطبيعية القانونية لعقد الاحتراف الرياضي في فصل ثانٍ، وآثار عقد الاحتراف الرياضي في فصل ثالث.

أما الباب الثاني فمعنون بتحكيم منازعات عقود الاحتراف الرياضي، ويأتي في ثلاث فصول، الأول منه يتطرق إلى ماهية المنازعات الرياضية وطبيعتها، أما الفصل الثاني فنتحدث فيه عن الهيئة المختصة بالتحكيم في عقود الاحتراف الرياضي وهي محكمة التحكيم الرياضية، والفصل الثالث يكون بعنوان قرارات محكمة التحكيم الرياضية.

 





0 تعليقات