أن البطلان وإن كان هو الجزاء المترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراء الجوهري إلا أنه يمكن تقسيمه وفقا لمعايير متعددة ، فهناك البطلان العام والبطلان الخاص وذلك على أساس النص التشريعي المقرر للبطلان .
وهناك البطلان الشكلي والبطلان الموضوعي ، وهناك البطلان الكلي والبطلان الجزئي وهناك بطلان متعلق بالنظام العام وبطلان متعلق بمصلحة الخصوم وهناك بطلان مطلق وبطلان نسبي .
غير أن أهمم تقسيم للبطلان من حيث أنواعه هو التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي نظرا لما يترتب على التقسيم من اختلاف في الأحكام التي يخضع لها نوعا البطلان .
البطلان المطلق
هو الذي يترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراءات الجوهرية المتعلقة بالنظام العام .
وقد نصت عليه وحددت حالاته وبينت خصائصه وأحكامه المادة (332) من قانون الإجراءات الجنائية في قولها " إذا كان البطلان راجعا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام ، جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ، وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب
من هذه المادة يتبين لنا أن حالات البطلان المطلق تكون راجعة الى مخالفة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة ، وأحكامه المتعلقة بولايتها بالحكم في الدعوى ، وأحكامه المتعلقة باختصاصها النوعي ، وهذا البيان لم يرد على سبيل الحصر ، وإنما ورد على سبيل المثال ، ولذلك أضافت إليه المذكرة الإيضاحية أمثلة أخرى ، فأشارت الى (مخالفة الأحكام المتعلقة بعلانية الجلسات ، وتسبيب الأحكام ، وحضور مدافع عن المتهم بجناية ، وأخذ رأى المفتي عن الحكم بالإعدام ، وإجراءات الطعن في الأحكام) وعلى الرغم من هذه الإضافة التي جاءت بها المذكرة الإيضاحية ، فمازال بيان حالات البطلان المطلق على سبيل المثال فحسب .
وقد أشارت محكمة النقض الى أنه " ما كان في مقدر الشارع أن يحصر - والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبدا متغيرة - المسائل المتعلقة بالنظام العام فذكر البعض من هذه المسائل في المادة 332 ، وترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه " (نقض 3 يونيو سنة 1958 مجموعة محكمة النقض س9 رقم 156 ص609)
أحكام البطلان المطلق
1. جواز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض . إلا أن الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض يتطلب ألا يحتاج الفصل فيه الى تحقيق موضوعي وهو ما يخرج عن اختصاص محكمة النقض .
2. أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ودون حاجة الى طلب من الخصوم .
3. يجوز التمسك به أو الدفع من قبل أى خصم ودون اشتراط قيام المصلحة كشرط للدفع بمعنى أنه يجوز للخصم الدفع به ولو لم تكن له مصلحة مباشرة من تقرير البطلان .
4. لا يجوز التنازل عن الاحتجاج به . فالبطلان المطلق (المتعلق بمصلحة عامة) إنما يتقرر لمصلحة المجتمع أو لمصلحة الخصم إذا ارتقت في أهميتها لحد صيرورتها مصلحة عامة بطريق غير مباشر ، ولا يعتد بمثل هذا التنازل سواء كان صراحة أم ضمنا ، والنزول الضمني هو الذي يستخلص من السكوت على البطلان الذي شاب الإجراء وعدم التمسك به في حينه .
5. عدم قابليته للتصحيح عن طريق رضاء الخصم الصريح أو الضمني بالإجراء الباطل غير أن البطلان المطلق رغم ذلك يصحح إذا كان الإجراء الباطل قد حقق الغرض المقصود منه رغم عدم مراعاة أحكامه ، ومثال ذلك أن يحصر محامي المتهم في جناية أمام محكمة الجنايات رغم رفض المحكمة التأجيل أو تعيين مدافع آخر ، أو أن يقضي القاضي الجنائي بعدم قبول الدعوى المدنية رغم أنه لا ولاية له بنظرها ، ذلك أن التصحيح هنا يتحقق عن طريق إجراء جديد بعدم فاعلية البطلان الذي شاب الإجراء الباطل ويؤدي الى إحداث الأثر الذي أراد المشرع تحقيقه .
6. لا يجوز الدفع بالبطلان المطلق (المتعلق بالمصلحة العامة) إذا كان سبب هذا البطلان راجعا الى خطأ الخصم أو كان قد ساهم فيه ، وبالتالي فليس للمتهم أن يدفع ببطلان الحبس الاحتياطي لعدم استجوابه من قبل متى كان هو الذي امتنع عن الإجابة على الأسئلة التي وجهها إليه المحقق .
أحكـــام النقـــض
- إن الشارع حاول تنظيم أحوال البطلان فيما أورده من قواعد عامة في المادة 231 إجراءات جنائية وما بعدها ، إلا أن هذه النصوص تدل عبارتها الصريحة على أن الشارع لم يحصر - وما كان في مقدوره أن يحصر ، والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبدا متغيرة - المسائل المتعلقة بالنظام العام فذكر البعض من هذه المسائل في المادة 332 وترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه . (نقض 3/ 6/ 1958 مجموعة القواعد القانونية س9 ص609)
- لما كانت قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من حيث أشخاص المتهمين متعلقة بالنظام العام وكان البين أن المتهمة المطعون ضدها حدث وعلى الرغم من ذلك قدمتها النيابة العامة الى محكمة الجنح العادية المشكلة من قاضي فرد قضى في الدعوى دون أن تكون له ولاية الفصل فيها ، فإن محكمة ثاني درجة إذ قضت بإلغاء الحكم المستأنف لانعدام ولاية القاضي الذي أصدره وبإعادة القضية الى النيابة الطاعنة .. لإجراء شئونها فإنها تكون قد التزمت صحيح القانون . (نقض 4/ 12/ 1977 مجموعة القواعد القانونية س28 ص1002)
- إبداء الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة الحدث ولئن كان ممن يتصل بالولاية وأنه متعلق بالنظام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أى حالة تكون عليها ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب ، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة الى إجراء تحقيق موضوعي. (نقض 4/ 12/ 1977 مجموعة القواعد القانونية س28 ص1023)
- من المقرر أن مؤدى قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من حيث أشخاص المتهمين من النظام العام ويجوز إثارة الدفع بمخالفتها لأول مرة أمام محكمة النقض أو نقض هى فيه من تلقاء نفسها بدون طلب متى كان ذلك لمصلحة المحكوم عليه وكانت عناصر المخالفة ثابتة بالحكم ، وكانت المحكمة المطعون في حكمها إذ قضت في موضوع جريمة الضرب الذي نشأن عنه عاهة مستديمة التي دين بها المطعون ضده على الرغم من أن سنه لم يجاوز خمس عشرة سنة كاملة - قبل سريان القانون رقم 31 لسنة 1974 - وقت ارتكابه إياها تكون قد خالفت القانون لتجاوزها الاختصاص المقرر لمحكمة الأحداث وحدها بنظر الدعوى ويتعين ذلك نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى . (نقض 25/ 6/ 1973 مجموعة القواعد القانونية س27 ص436)
- لما كان القانون على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة وطبقا لنص المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجب وضع الأحكام الجنائية وتوقيعها في مدة ثلاثين يوما من التعلق بها وإلا كانت باطلة وكان التعديل الذي جرى على الفقرة الثانية من المادة 312 سالفة الذكر - بالقانون رقم 107 لسنة 1962 والذي استثنى أحكام البراءة من البطلان ر ينصرف البتة الى ما يصدر من أحكام في الدعوى المدنية المقامة بالتبعية للدعوى الجنائية ذلك أن مؤدى علة التعديل - وهى على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون ألا يضار المحكوم ببراءته بسبب لا دخل له فيه - هو أن مراد الشارع قد اتجه الى حرمان النيابة وهى الخصم الوحيد للمتهم في الدعوى الجنائية من الطعن على حكم البراءة بالبطلان إذا لكم توقع أسبابه في الميعاد المحدد قانونا ، أما أطراف الدعوى المدنية فلا مشاحة في انحسار ذلك الاستثناء عنهم ويظل الحكم بالنسبة إليهم خاضها للأصل العام المقرر بالمادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية فيبطل إذا مضى ثلاثون يوما دون حصول التوقيع عليه . لما كان ما تقدم ، فإن الحكم يكون باطلا . (نقض 8/ 5/ 1984 - الطعن 5940 لسنة 53ق)
- لما كان قانون الإجراءات الجنائية قد أوجب في المادة 312 منه وضع الأحكام الجنائية وتوقيعها في مدة ثلاثين يوما من النطق بها وإلا كانت باطلة ما لم تكن صادرة بالبراءة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قضى في الثامن والعشرين من مايو سنة 1981 بإدانة المتهم (الطاعن) وحتى السابع من يوليو سنة 1981 لم يكن قد تم التوقيع عليه على ما يبين من الشهادة السلبية الصادرة من قلم كتاب نيابة بنها الكلية المقدمة من الطاعن فإنه يكون باطلا . (نقض 8/ 5/ 1984 - الطعن 6236 لسنة 53ق)
البطلان النسبي
البطلان النسبي هو البطلان الذي لا يتعلق بالنظام العام ، وقد نصت عليه المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية في قولها " في غير الأحوال المشار إليها في المادة السابقة يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه . أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحا إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة ، وكذلك يسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه " .
يتبين من نص المادة أن البطلان النسبي هو عدم مراعاة أحكام الإجراءات الغير متعلقة بالنظام العام وإنما متعلقة بمصلحة الخصوم .
والبطلان النسبي يجب الدفع به ، والتمسك به أمام محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة ، كما لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، ولا يجوز التمسك به إلا من قبل الخصم صاحب المصلحة المباشرة في الحكم ببطلان الإجراء لعدم مراعاة القواعد القانونية المقررة لمصلحته ، وهو قابل للتصحيح. ،
حالات البطلان النسبي :
لقد حدد الشارع حالات البطلان النسبي بأنها ما ليسن من حالات البطلان المطلق ، أى أن البطلان النسبي هو كل بطلان ليس مطلقا ، ومن هذه الفكرة يستخلص الضابط في البطلان النسبي أنه البطلان الذي ينال الإجراء المخالف لقاعدة تحمي مصلحة يقدر القضاء أنها اقل أهمية من أن تبرر البطلان المطلق ، ويعني ذلك أن ضابط أهمية المصلحة هو الذي يحدد بدوره حالات البطلان النسبي .
وقد أشارت المذكرة الإيضاحية الى أن " البطلان يكون نسبيا إذا كان الإجراء الجوهري متعلقا بمصلحة المتهم أو الخصوم "
أحكام البطلان النسبي
1. يختفي البطلان النسبي بعدم التمسك به فيصير الإجراء الباطل صحيحا ، إذ ليس على المحكمة أن تراعي البطلان من تلقاء نفسها ، فالعمل الباطل بطلانا نسبيا يقدم بدوره في الخصومة حتى يقرره القاضي ، ليس من تلقاء نفسه ، بل عند الدفع به من صاحب الشأن الذي تقررت القاعدة التي خولفت لحمايته .
2. لا يجوز التمسك به إلا بواسطة الخصم صاحب المصلحة في إثارته ، ولا يحق لغيره من الخصوم فعل ذلك .
3. يجب التمسك به أو الدفع به أمام محكمة الموضوع ، وبالتالي فليس من الجائز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
4. يجوز التنازل عن التمسك بهذا النوع من البطلان بما يؤدي الى تصحيح الإجراء المعيب ، وقد كون هذا التنازل صريحا أو ضمنيا والتنازل الصريح لا يثير صعوبة في التعرف عليه . أما التنازل الضمني فيستخلص من عدم إثارة البطلان في بعض مراحل الدعوى .
5. البطلان النسبي يجوز تصحيحه .
وأهم ما يميز البطلان النسبي عن البطلان المطلق هو أن الأول قابل للتصحيح ، وتصحيح البطلان النسبي يكون بطريقتين :
الأول : هو القبول الصريح أو الضمني للإجراء الباطل من قبل من تقرر البطلان لمصلحته ، وقد أورد المشرع هذا الطريق من طرق التصحيح معبرا عنه بسقوط حق الدفع بالبطلان وذلك في المادة 333 إجراءات ، فقد نص على أن يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه .
أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحا إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة .
وكذلك يسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه .
الثاني : هو تحقق الغرض من الإجراء الباطل .
فتحقق الغرض من الإجراء الباطل يصحح البطلان وذلك يتم عن طريق التصرف أو القيام بإجراء لاحق من شأنه أن يعدم أثر البطلان في الإجراء .
وقد نص المشرع على تطبيق لهذا الطريق بالنسبة لبطلان ورقة التكليف بالحضور في المادة 334 . فإذا حضر المتهم في الجلسة بنفسه أو وكيل عنه فليس له أن يتمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور ، وإنما له أن يطلب تصحيح التكليف أو استيفاء أى نقض فيه وإعطاء ميعادا لتحضير دفاعه قبل البدء في سماع الدعوى ، ويجب في هذه الحالة أن تجيبه المحكمة إلى طلبه . غير أن إلزام المحكمة بالإجابة يكون فقط في حدود المواعيد المنصوص عليها بالنسبة للتكليف بالحضور وهى ثلاثة أيام في الجنح ويوم واحد المخالفات .
6. البطلان النسبي لا يقبل الدفع به من جانب من لم يتقرر هذا البطلان في صالحه ، أو تكون الغاية التي من أجلها تقرر الشكل الذي وقع الإجراء باطلا بالمخالفة له قد تحققت على الرغم من حدوث هذه المخالفة ، وليس هذا إلا تطبيقا لقاعدة أنه (لا دعوى حيث لا مصلحة) .
0 تعليقات