جرم المشرع الإضرار غير العمدي بالأموال أو المصالح الواقع من الموظف العام في نص المادتين 116 مكررا (أ) ، 116 مكررا (ب) من قانون العقوبات ، وقد تضمنت المادة الاولي منهما تجريم تسبب الموظف العام بخطئة في إلحاق ضرر جسيم بالأموال أو المصالح ، وجرمت الثانية الإهمال في صيانة أو استخدام المال العام ، وقد اشترط المشرع للجريمة الاولي أن يكون الخطأ الواقع من الموظف جسيما ، وأن يكون الضرر المترتب عليه جسيما أيضا . وذلك " حتي لا يكون تهديد الموظف بالمسئولية الجنائية عن الخطأ البسيط دافعا الي تردده فيما هو من وظيفته مما يلحق ضررا بالمصلحة العامة " .
- أركـــــــــــان الجريمة :
نص المشرع في المادة 116 مكرر(أ) من قانون العقوبات علي أن : " كل موظف عام تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته ، أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها الي تلك الجهة ، بأن كان ذلك ناشئا عن إهمال في أداء وظيفته أو عن إخلال بواجباتها او إساءة استعمال السلطة ، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنية أو بإحدي هاتين العقوبتين .
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي ست سنوات وغرامة لا تجاوز ألف جنيه إذا ترتب علي الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها " .
ويتضح من النص أن المشرع يتطلب لقيام هذه الجريمة أركانا ثلاثة : صفة الجاني ، والركن المادي ، والركن المعنوي .
صفة الجاني :
لا تقع هذه الجريمة إلا ممن تتوافر فيه الموظف العام وفقا للتحديد الوارد في المادة 119 مكررا من قانون العقوبات . وغني عن البيان أن هذه الصفة يجب أن تتوافر وقت ارتكاب الفعل المقترن بالخطأ ولو زالت عن الحاني بعد ذلك .
الركن المادي :
يتحقق الركن المادي بسلوك إيجابي أو سلبي يصدر من الموظف يكون من شأنه الإضرار بالأموال أو المصالح التي أشار إليها النص ، وهي أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته ، أو أموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلي إحدي هاتين الجهتين ، فضلا عن نتيجة معينة تربطها بالسلوك علاقة السببية ، وتتمثل في الضرر الجسيم الذي يلحق الأموال أو المصالح المذكورة . والمشرع يتطلب وقوع الضرر فعلا كأثر للسلوك الإجرامي ، فلا يكفي أن يكون الضرر محتملا أو راجح الوقوع ، بل إنه لا يكتفي بوقوع أي قدر من الضرر و إنما يشترط أن يكون هذا الضرر جسيما . وتقدير وجود وجسامة الضرر يدخل في سلطة قاضي الموضوع . وإن كان يؤخذ على هذا الشرط مخالفته لمبدأ الشرعية الذي يقتضي تحديد عناصر الجريمة ، بينما جسامة الضرر غير محددة إذ لم يضع لها المشرع معيارا يلتزم القاضي بتطبيقه . ويجب أن يكون الضرر ماديا ، فالمقصود بالمصالح المذكورة في النص المصالح المادية وهي المنافع التي يمكن تقويمها بالمال ، " ذلك أن الشارع لم يتجه إلي إدخال المصالح الأدبية للأفراد في نطاق الحماية المقررة في هذه المادة وهي ترعي أساساً الأموال العامة والمصالح القومية والاقتصادية للبلاد ، سعيا وراء بناء مجتمع جديد ، أما انعطاف حمايته إلي أموال الأفراد أو مصالحهم المادية المعهود بها إلي جهة عامة فذلك لأن نشاط هذه الأموال إنما يتصل بخطة التنمية الاقتصادية والتنظيم الجديد للمجتمع "، ويستوي أن يكون الضرر في صورة انتقاص مال أو منفعة أو تضييع ربح محقق .
الركن المعنوي :
يتخذ الركن المعنوي في هذه الجريمة صورة الخطأ ، والخطأ هو صلة نفسية بين الجاني وبين نتيجة سلوكه ، تتمثل في أحد وضعين : (أ) توقع الجاني نتيجة فعله دون أن يقبلها - معتقدا دون أي أساس - أنها لن تحدث . (ب) عدم توقع الجاني نتيجة فعله بينما كان ذلك واجبا عليه وفي استطاعته .
وقد حصر المشرع صور الخطأ الذي يقوم به الركن المعنوي للجريمة في ثلاث: 1- الإهمال في أداء الوظيفة ، 2- الإخلال بواجبات الوظيفة . 3- إساءة استعمال السلطه . وهذا الوضع محل للنقد إذ أن هذه الصور تتداخل فيما بينها ، فالإهمال في أداء الوظيفة أو إساءة استعمال السلطة يدخلان فى نطاق الإخلال بواجبات الوظيفة ، فضلا عن أنها من الاتساع بحيث تشمل كل حالات الخطأ المتصورة من جانب الموظف العام ، لذلك كان يحسن الاكتفاء بالنص علي الخطأ دون تحديد لهذه الصور .
ويقصد بالإهمال في أداء الوظيفة ، عدم مباشرة الموظف لأعمال وظيفته بالعناية الواجبة . يستوي أن يتخذ ذلك صورة امتناع كامل عن مباشرة أعمالها دون سبب مشروع ، أو التراخي في القيام بها في الوقت المناسب لتحقيق الغرض منها ، أو قيامة بهذه الأعمال دون اتخاذ العناية التي يتخذها الموظف المعتاد إذا وجد في مثل ظروف الجاني . وهذا القدر من العناية تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئية والعرف ومألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفهم .
والاخلال بواجبات الوظيفة يتسع - كما سبقت الإشارة - ليشمل الإهمال في أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة ، ولكن ها الإخلال يتحقق- فضلا عن ذلك - بكل مخالفة لحسن أداء الوظيفة ، سواء تمثل ذلك في مخالفة الواجبات التي حددها القانون أو اللائحة أو القرار الإداري أو في مخالفة أمانة الوظيفة العامة ، وهي مجموعة القيم والمباديء التي تفرضها الروح العامة للنظام الوظيفي . وعلي ذلك يتحقق الإخلال بواجبات الوظيفة إذا أهمل الموظف في المحافظة علي المعلومات التي تتعلق بالعمل فترتب علي ذلك تسربها إلي الغير ، إذ تقوم الجريمة إذا ترتب علي ذلك ضرر جسيم بالأموال أو المصالح التي حددها نص المادة 116 مكررا ( أ ) .
أما إساءة استعمال السلطة ، فتفترض أن المشرع يعطي للموظف سلطة تقديرية بصدد عمل من أعمال وظيفته ، فينحرف الموظف بهذه السلطه عن توخي الصالح العام الي استهداف مصلحة شخصية له أو لغيره ، كأن يدخل في سلطة الموظف ترقية بعض المرؤوسين بالاختيار فيقرر ترقية من هو أقل كفاءة من غيره أو يكون له سلطة التعيين في وظيفة معينة ، فيعين أحد المتقدمين بينما يكون هناك من هو أجدر منه بذلك . وقد يكون ذلك بسوء نية ، وحينئذ قد يقع تحت طائلة نص آخر يقرر للفعل عقوبة أشد ، كما لو كان الموظف قد أساء استعمال سلطته استجابة لرجاء أو توصية أو وساطة . وقد يكون ذلك بإهمال الموظف في تحري الحقائق وتلمس عناصر التقدير التي يستطيع في ضوءها استعمال سلطته فيأتى اختياره غير محقق للصالح العام ، فإذا تسبب بذلك في الحاق ضرر جسيم بالأموال أو المصالح التي حددها نص المادة 116 مكررا (أ) وقعت بفعله الجريمة .
العقوبـــــــــــــــــة :
قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس والغرامة التي لا تجاوز خمسمائة جنية أو إحدي هاتين العقوبتين .
ثم قرر تشديد هذه العقوبة لتصبح الحبس لمدة لا تقل عن سنة و لا تزيد علي ست سنوات ، والغرامة التي لا تجاوز ألف جنية إذا ترتب علي الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها .
0 تعليقات