جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد

اركان جناية هتك العرض بالقوة أو التهديد

أولا : الركن المادي: فعل هتك العرض
هتك العرض هو كل فعل مخل بالحياء يستطيل إلى جسم المجني عليه وعوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية ، ولا يشترط لتوافره قانوناً أن يترك الفعل أثرا بجسم المجني عليه . ويتبين من هذا التعريف أن هتك العرض أوسع نطاقًا من المواقعة ، فإذا كانت كل مواقعة تتضمن بالضرورة هتكا للعرض ، فإن هتك العرض لا يصل في الغالب إلى المواقعة ( الاغتصاب) .
وبالتمعن في التعريف آنف البيان يتضح أنه في هتك العرض وقوع فعل مادي يمس جسم المجني عليه بشكل يخدش عاطفة الحياء أو يمس من جسمه ما يعد من العورات . ويصح في هتك العرض أن يكون الفاعل رجلاً . كما يجوز أن يكون أنثى . كما يصح أن يكون المجني عليه رجلاً أو امرأة ، ويجوز أن يقع هتك العرض من رجل على آخر ومن امرأة على أخرى.
ورغم الاستقرار على تعريفات هتك العرض بالصورة آنفة البيان ، إلا أنه مع هذا يحتاج إلى ضوابط تأتي من خارج التعريف ، ذلك أن الحياء الذي يعتبر هتك العرض إخلالاً به أمر يختلف وفقا للظروف الشخصية والاجتماعية الملابسة للواقعة ، فالأفعال التي تعد هتكا للعرض قد لا تقع على عورة من العورات مباشرة ولكنها تصل إلى درجة من الفحش تمس الحياء العرضي . فإن كان هناك من أجزاء الجسم ما يعد من العورات ولا يختلف في شأنه ، إلا أنه حين يثور النقاش حول وضع معين فإنه يلزم الاستعانة في هذا السبيل بالعرف والظروف الاجتماعية.
ولقد عبرت محكمة النقض في مصر عن الفعل المادي في جريمة هتك العرض بأنه يتحقق بأي فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليها ويستطيل على جسمها ويخدش عاطفة الحياء عندها من هذه الناحية ، ولا يلزم الكشف عن عورتها بل يكي لتوفر هذا الركن أن يكون الفعل الواقع على جسمها قد بلغ من الفحش والإخلال بالحياء العرضي درجة تسوغ اعتباره هتك عرض سواء أكان بلوغها هذه الدرجة قد تحقق عن طريق الكشف عن عورة من عورات المجني عليها أم عن غير هذا الطريق .
ومن التطبيقات العملية أنه يُعد هتكا للعرض تمزيق لباس المجني عليها الذي كان يسترها وكشف جزء من جسمها وهو من العورات على غير إرادتها. وتمزيق شخص لباس غلام من الخلف إذ كشف جزءا من جسمه هو من العورات التي يحرص كل إنسان على صونها وحجبها عن أنظار الناس ولو لم يصاحب هذا الفعل أية ملامسة مخلة بالحياء . والتصاق المتهم عمدا بجسم المجني عليه من الخلف حتى مس قضيبه عجز الصبي . وجريمة هتك العرض تتم بوقوع فعل مناف للآداب مباشرة على جسم المجني عليه ولو لم يحصل إيلاج أو احتكاك يتخلف عنه أي أثر كان . ووضع الاصبع في دبر المجني عليه هو مساس بعورة من جسمه وفيه نوع من الفحش لا يترك مجالاً للشك في إخلاله بحيائه العرضي .
ويُعد هتك عرض بالقوة فعل المتهم الذي يلقي بنتا بكرا عمرها عشر سنوات على الأرض عنوة ويفض بكارتها بأصبعه . ووضع الرجل عضو التناسل في يد المجني عليه أو في فمه أو في جزء آخر من جسمه لا يعد عورة بل يعد من قبيل هتك العرض . وتتحقق جريمة هتك العرض إذا كان الثابت أن المتهم احتضن مخدومته كرها عنها ثم طرحها أرضا واستلقى فوقها ولو لم يقع من الجاني أن كشف ملابسه أو ملابس المجني عليها.
ومن يطوق كتفي امرأة بذراعيه ويضمها إليه يكون مرتكبا لجناية هتك العرض، لأن هذا الفعل يترتب عليه ملامسة المتهم لجسم المجني عليها ويمس فيها جزءا هو لا ريب داخل في حكم العورات . وثدي المرأة هو من العورات التي تحرص دائمًا على عدم المساس بها فإمساكه بالرغم منها وبغير إرادتها يعتبر هتك عرض . وفخذ المرأة عورة فلمسه وقرصه على سبيل المغازلة يُعد هتك عرض. واجتراء المتهمين على إخراج المجني عليه عنوة من الماء الذي كان يسبح فيه عاريا وعدم تمكينه من ارتداء ثيابه وهو عار بالطريق العام وبذلك استطالوا إلى جسمه بأن كشفوا على الرغم منه عن عورته أمام النظارة يكون جريمة هتك العرض بالقوة . وإذا كان الثابت من الحكم أن المطعون ضدها قد كشفت عن عورات المجني عليها وأحدثت بمنطقة غشاء البكارة والشرج والآليتين حروقا متقيحة نتيجة كي هذه المناطق بأجسام ساخنة فإن هذا الفعل الواقع على جسم المجني عليها يكون قد بلغ من الفحش والإخلال بالحياء العرضي درجة يتوافر بها الركن المادي ي جريمة هتك العرض.
وكما سبق القول لا يشترط أن يترك الفعل أثرا بجسم المجني عليه أو أن تتم المباشرة الجنسية ، فهو إذن يمكن أن يقع من عنين بفرض ثبوت عنته ، فإذا كان الحكم قد أثبت أن الطاعن وضع يده على اليه المجني عليه واحتضنه ووضع قبله في يده فإن هذه الملامسة فيها من الفحش والخدش للحياء العرضي ما يكفي لتوافر الركن المادي للجريمة . وملامسة المتهم بعضو تناسله دبر المجني عليها يعتبر هتك عرض ، ولو كان عنينا. لأن هذه الملامسة فيها من الفحش والخدش بالحياء العرضي ما يكفي لتوافر الركن المادي.
ومن أحكام المحاكم فيما لا يعد هتكا للعرض ما قضى به من أن الفتاة الريفية التي تمشي سافرة الوجه بين الرجال لا يخطر ببالها أن في تقبيلها في وجنتيها إخلالاً بحيائها العرضي واستطالة على موضع من جسمها تعده هي ومثيلاتها من العورات التي تحرص على سترها ، فتقبيلها فى وجنتيها لا يخرج على أن يكون فعلا فاضحا مخلا بالحياء (1) . وإذا قاد المجني عليه شخصان إلى غرفة مقفلة الأبواب والنوافذ وقبله أحدهما في وجهه وقبله الثاني على غرة منه في قفاه وعضه في وضع التقبيل فهذا الفعل لا يعتبر هتك عرض ولا شروعا فيه . كما أنه لا يدخل تحت حكم أي جريمة أخرى من جرائم إفساد الأخلاق . وملاحقة المتهم للمجني عليها في الطريق العام وقرصه ذراعها تنطوي في ذاتها على الفعل الفاضح العلني لإتيان المتهم علانية فعلاً فاضحا يخدش الحياء.
وقد قضت محكمة الاستئناف العليا في الكويت بأن تقبيل الشخص في الوجه لا يكون الركن المادي في جريمة هتك العرض ، لأنه لا يمس ما يعد عورة في الجسم وهذه الجريمة لا تقوم إلا إذا كان فعل المتهم ماسا بجزء من جسم المجني عليه يدخل من باب العرف المعتبر في حكم العورات ، ولأن خد الذكر لا يعرف في عرف البيئة عورة ، ولا هو كذلك في اعتبار الذكر أو في تقديره وأن مجرد تقبيله لا تقوم به جريمة هتك العرض حتى ولو كانت القبلة في بعض التقدير مريبة ، لأن المعول عليه في هذا المقام هو كنه الفعل في حق الناس بحسب موقعه من جسيم المجني عليه ، وليس ما يعتمل في داخل المتهم وهو من عواطفه التي لا يعلم بحقيقتها إلا الله .

ثانياً : الركن المعنوي: القصد الجنائي
جريمة هتك العرض جريمة عمدية ومن ثم يشترط أن يتوافر فيها القصد الجنائي ، ويكفي فيه القصد العام ، حيث لم يتطلب المشرع نية خاصة لدى الجاني . ويتوافر القصد الجنائي بتوجيه الجاني لإرادته باختياره نحو الفعل المكون لهتك العرض وعن علم به . فإذا شاب إرادة الفاعل عيب يعدمها تخلف القصد الجنائي وانتفت الجريمة ، كمن يدفع بآخر نحو امرأة مفاجأة فيحتضنها خشية السقوط . ولا تقوم الجريمة إذا كان من حق الشخص اتيان ما ارتكب من أفعال ، كالزوج بالنسبة إلى الاتصال المشروع مع زوجته . وينتفي القصد الجنائي بالرضا الصادر من المجني عليه ، سواء أكان صراحة أو ضمنا أي عدم الاعتراض ، إلا في الحالات التي يعاقب فيها القانون بغير أن يعتد بالرضاء .
ومتى توافر القصد الجنائي على الصورة السالفة كان في هذا الكفاية لاستحقاق الجاني للعقاب ، ولا يؤثر في هذا الباعث على ارتكاب الجريمة سواء أكان إرضاء لشهوة أو حتى لمجرد الانتقام . وقد يكون للباعث أثره في تقدير القاضي للعقاب. فإذا كان المتهم قد عمد إلى كشف جسم امرأة ثم أخذ يلمس عورة منها ، فلا يقبل منه القول بانعدام القصد الجنائي لديه بدعوى أنه لم يفعل فعلته ارضاء لشهوة جسمانية وانما فعلها بباعث بعيد عن ذلك . ويصح العقاب ولو كان الجاني لم يقصد بفعله إلا مجرد الانتقام من المجني عليه أو ذويه . والقصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بنية الاعتداء على موضع عفة المجني عليها سواء أكان ذلك إرضاء للشهوة أو حباً للانتقام . ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً على توافر القصد الجنائي . بل يكفي أن يكون فيما أثبته من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه.
وقد ينتفي القصد الجنائي إذا ثبت رضاء المجني عليه بالفعل ولم يكون جريمة أخرى ، وكذلك إذا حدث خطأ في شخصية المجني عليه وقام الدليل على الاعتقاد الخاطئ للفاعل ، ولم يكن فعله يكون جريمة بالنسبة لمن قصده أساسا.

الشروع في الجريمة :
قلنا أن الركن المادي في جريمة هتك العرض يتوفر بالمساس بجزء من جسم المجني عليه يُعد من العورات ، وكذلك الأفعال التي تصيب الجسم فتخدش الحياء العرضي لما يصاحبها من فحش . ومن هذا التعريف يبين أن الجريمة تعتبر تامة بمجرد الملامسة المادية سواء للعورة أو للجزء من الجسم الذي يخدش الحياء العرضي .
ويثور التساؤل عن متى يعتبر الشروع متوافرا في هذه الجريمة ، والفرض أن القصد الجنائي قائم في كل الصور. وابتداء يجب استبعاد الصورة التي يثبت فيها مجرد انعقاد نية الشخص على ارتكاب الجريمة حتى ولو أعلن عن هذه النية وصارح بها الشخص الآخر . ولكن الصعوبة تثور حينما يتعدى الحال دور الأقوال إلى الأفعال ، وهذه الأفعال قد تعد في حد ذاتها هتكا للعرض ، الأمر الذي أثار بحث ما إذا كان الشروع في هتك العرض يمكن تصوره أم لا ، بمعنى القول بأن الجريمة إما أن توجد تامة أو أعمالاً تحضيرية . وهو ما ذهبت إليه بعض الأحكام . والواقع أنه يمكن تصور الشروع إذا استطالت أفعال الجاني إلى جسم المجني عليه بنية هتك عرضه دون أن تصل إلى عورته أو إلى جزء من جسمه يخدش حياءه العرضي ، فتقف الجريمة أو يخيب أثرها لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها . فإذا صارح شخص إنسانا بنيته في هتك عرضه وهدده وضربه وأمسكه بالقوة رغم مقاومته إياه وألقاه على الأرض ليعبث بعرضه ولم ينل منه غرضه بسبب استغاثته فهذه الأفعال تكون جريمة الشروع في هتك عرض المجني عليه بالقوة . وفي حكم لمحكمة النقض قررت أنه وإن كان الركن المادي في جريمة هتك العرض لا يتحقق إلا بوقوع فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليه يستطيل إلى جسمه فيصيب عورة من عوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية ، الا أنه متى ارتكب الجاني أفعالاً لا تبلغ درجة الجسامة التي تسوغ عدها من قبل هتك العرض التام ، فإن ذلك يقتضي تقصي قصد الجاني من ارتكابها ، فإذا كان قصده قد انصرف إلى ما وقع منه فقط ، فالفعل قد لا يخرج عن دائرة الفعل الفاضح ، أما إذا كانت تلك الأفعال قد ارتكبت بقصد التوغل في أعمال الفحش فإن ما وقع منه يُعد بدءا في تنفيذ جريمة هتك العرض ، وفقا للقواعد العامة ولو كانت هذه الأفعال في ذاتها غير منافية للآداب ولا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ الفاعل في تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتباره شارعا في ارتكاب الجريمة أن يأتي فعلاً سابقا على تنفيذ الركن المادي لها ومؤديا إليه حالا.

ظروف مشددة :
أورد المشرع ظروفًا مشددة في المادة 268 /2 من قانون العقوبات رفع عند توافرها العقوبة إلى السجن المشدد وهي خاصة بأصول المجني عليه والمتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان خادما عنده أو عند من تقدم ذكرهم .
كما تناول النص سالف الذكر حالة ما إذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة . وقد رأى المشرع أن من لم يبلغ السن المشار إليها ليست له الإرادة الكافية لرد العدوان الواقع عليه فاعتد به كظرف مشدد . ومن أجل هذا نجد أن القضاء لا يعتد برضاء الصغير حين يثبت عدم تمييزه ويعتبر أن هتك العرض قد تم بالقوة فقد قضى بأن تعتبر جريمة هتك العرض بالقوة متى لم تكن المجني عليها ذات إرادة يمكنها بها أن تمانع المتهم لصغر سنها الذي لم يزد على ثلاث سنين وعدم تمييزها.
والبنت التي عمرها ست سنوات تكون مسلوبة الإرادة فالفسق بها يعتبر باكراه وان تبين من أقوالها أنها كانت تمتثل للمتهم كلما أتاها.
وقد نصت المادة 268 /3 عقوبات على أنه " .. وإذا اجتمع هذان الشرطان معا يحكم بالسجن المؤبد " . أى يحكم بهذه العقوبة عند توافر ظرف صغر السن مع كون الجانى ممن نص عليهم فى المادة 267 / عقوبات .