جريمة الاغتصاب

تعريف الاغتصاب
هو اتصال رجل بامرأة اتصالاً جنسيا كاملاً دون رضاء صحيح منها بذلك . وقد نصت على هذه الجريمة المادة 267 من قانون العقوبات.
علة التجريم : علة التجريم هي الاعتداء على العرض في أجسم صوره ، فالجاني يكره المجني عليها على سلوك جنسي لم تتجه إليه إرادتها فيصادر بذلك حريتها الجنسية ، ومن ثم كان الاغتصاب أشد جرائم الاعتداء على العرض جسامة . وبالإضافة إلى ذلك فثمة حقوق أخرى ينالها الاعتداء بهذه الجريمة : فهي اعتداء على الحرية العامة للمجني عليها ؛ وهي اعتداء على حصانة جسمها ، وقد يكون من شأنها الاضرار بصحتها النفسية أوالعقلية ؛ وهي اعتداء على شرفها ، وقد يكون من شأنها أن تقل من فرص الزواج أمامها أو تمس استقرارها العائلي إن كانت متزوجة ؛ وقد تفرض عليها أمومة غير شرعية ، فتضر بها من الوجهتين المعنوية والمادية على السواء .
وتقتضي دراسة جريمة الاغتصاب البحث في موضوعين : بيان أركانها وتحديد عقوبتها.

أركان الاغتصاب
بيان أركان الاغتصاب : تقوم جريمة الاغتصاب على أركان ثلاثة : ركن مادي ، هو الاتصال الجنسي الكامل ؛ وانتفاء الرضا به ؛ والقصد الجنائي .
الاتصال الجنسي الكامل
عناصر الركن المادي في الاغتصاب : الفعل الذي يقوم به الركن المادي لجريمة الاغتصاب هو الاتصال الجنسي الكامل الذي يمثل الرجل طرفه الإيجابي وتحمل المرأة على الاستسلام له ، وتندمج النتيجة - وهي حالة الاتصال - في الفعل . واعتبار الاتصال الجنسي الفعل الذي تقوم به الجريمة يفترض أنه غير مشروع .
دلالة الاتصال الجنسي : يعني الاتصال الجنسي الكامل التقاء الأعضاء التناسلية للجاني والمجني عليها التقاء طبيعيا . فإذا تحقق هذا الاتصال كان ذلك كافيا لتمام الجريمة : فسواء أن يكون كليا أو جزئيا ، وسواء أن يبلغ المتهم شهوته أو ألا يبلغ ذلك . وليس بشرط أن يترتب على الفعل تمزيق غشاء البكارة .
وتحديد الفعل الذي تقوم به الجريمة وفق هذا المدلول يعني أن تستبعد من نطاقها جميع الأفعال الماسة بالحرية الجنسية للمرأة التي لم تبلغ مبلغ الاتصال الجنسي الكامل ، وذلك أيا كانت درجة الفحش التي تنطوي عليها : فعبث يد الجاني كرها بالأعضاء التناسلية للمرأة لا يُعد اغتصابا. ومن باب أولى فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من عبث بعضو في جسم المرأة يعتبر عورة كالثدي مثلاً، وإنما تقوم بذلك جريمة هتك العرض . ولا تقوم هذه الجريمة بتلقيح امرأة صناعيا ضد إرادتها ، ولو أفضى إلى حملها ، إذ لا يصدق على هذا الفعل انه اتصال جنسي .
طرفا الاتصال الجنسي : للاتصال الجنسي طرفاه : رجل وامرأة . وتفترض الجريمة أن الرجل هو الجاني ، وأن المرأة هي المجني عليها . وتترتب على هذا التحديد للفعل الذي تقوم به الجريمة نتائج هامة تحد من نطاقها : فلا تتصور الجريمة إذا اتحد جنس الجاني والمجني عليه ، كما لو كانا رجلين أو امرأتين . وحين يختلف طرفا الاتصال فإن الجريمة تفترض أن الرجل هو الجاني ، فهو الذي يصدر عنه فعل الحمل على الاتصال ، وأن المرأة هي المجني عليها التي تحمل على الخضوع له : فلا قيام للجريمة إذا كانت المرأة هي التي حملت الرجل على الاتصال بها ؛ وهذا الفرض متصور، فليس من أركان الجريمة الإكراه ، وإنما تقوم إذا كان الاتصال بغير رضاء صحيح من المجني عليه كما لو كان حصل بالخداع أو كان المجني عليه غير صالح للتعبير عن إرادة صحيحة ، ومن ثم يتصور أن تحمل امرأة رجلاً على الاتصال بها دون رضاء صحيح منه ، كما لو حلت محل امرأة أخرى فظنها مخدوعا أنها المرأة التي يقبل الاتصال بها أو كان الرجل مجنونا أو سكرانا فلم تكن لرضائه قيمة . وإنما تسأل المرأة في هذه الفروض عن هتك عرض ، باعتبار أنها مست دون رضاء صحيح من الرجل بأعضاء فى جسمه تعد عورة .
ويتعين أن تكون المجني عليها امرأة حية ، إذ هي التي تكون لها الحرية الجنسية ، ومن ثم يخرج من نطاق الاغتصاب فسق الرجل بجثة امرأة.
عدم شرعية الاتصال الجنسي : إذا كان الاتصال الجنسي الذي أكره الرجل المرأة عليه مشروعا فانه لا يصلح ابتداء ليقوم به الركن المادي للاغتصاب . ويكون هذا الاتصال مشروعا إذا كان في نطاق نظام اجتماعي يعترف للرجل بالحق في هذا الاتصال ويفرض على المرأة الالتزام بقبوله ، وهذا النظام في القانون الحالي هو الزواج فقط . وقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الاتصال الجنسي حق للزوج وواجب على الزوجة ، ومنهم من أضاف إلى ذلك أنه كذلك حق للزوجة وواجب على الزوج . وتطبيقا لذلك لا يرتكب الزوج جريمة الاغتصاب إذا أكره زوجته على الصلة الجنسية ، ولكن إذا كانت أفعال الإكراه في ذاتها جريمة كالضرب فيما يجاوز به الزوج حدود حقه في التأديب كان مسئولا عن هذه الجريمة فقط . ولكن الزواج لا ينتج هذا الأثر إلا إذا كان صحيحا كي ينتج حكمه الشرعي من حيث "حل متعة كل من الزوجين بزوجه "، أما إذا كان الزواج باطلا أو فاسدا فهو لا يخلع على الصلة بين طرفيه الصفة المشروعة ، و إن كان جهل الزوج بسبب البطلان أو الفاسد ينفي القصد لديه.
وشرعية الصلة الجنسية بما يمنع من قيام الاغتصاب موقوتة بالوقت الذي يقوم خلاله الزواج : فإن كانت قبله كما لو أكره الخطيب خطيبته عليها قامت بها الجريمة ولو عقد الزواج بعد ذلك بوقت يسير؛ وإن كانت بعد انحلاله كما لو باشرها المطلق بائنا على مطلقته أو المطلق رجعيا بعد أن بانت عنه مطلقته بانتهاء عدتها قامت الجريمة كذلك . أما إذا باشرها المطلق رجعيا قبل انتهاء العدة فلا جريمة ، لأن هذا الطلاق " لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكًا ولا حلا " طالما لم تنقض العدة ، بل إن هذه الصلة تعد مراجعة فتستأنف بها الحياة الزوجية.

الشروع في الاغتصاب
اتجه قضاء محكمة النقض في أول الأمر إلى الأخذ بالمذهب الموضوعي في تحديد البدء في تنفيذ هذه الجريمة : فقضت محكمة النقض بأن مجرد طلب الفحشاء من امرأة وجذبها من يدها وملابسها ليس مما يعد بدءا في تنفيذ الجريمة ، وإنما هو مجرد عمل تحضيري لها . ولكن القضاء الحديث لمحكمة النقض يجنح إلى المذهب الشخصي ، ووفقا لهذا المذهب يتحقق البدء في التنفيذ بأي فعل يؤدي حالا ومباشرة إلى إتمام هذه الجريمة ، باعتباره ينطوي بذلك على خطر يهدد الحرية الجنسية للمجني عليها في صورة الاغتصاب. وتطبيقا لذلك كان البدء في التنفيذ متحققا بارتكاب فعل عنف أيا كان لحمل المرأة على الاستسلام أو صدور تهديد إليها في سبيل ذلك أو إعطائها مادة مسكرة أو مخدرة أو تنويمها من أجل هذا الغرض أو محاولة خلع ملابسها أو إركابها في عربة ولو بالخداع أو مجرد اصطحابها إلى المكان الذي ينوي الجاني ارتكاب الجريمة فيه . ويفترض الشروع أنه قد أعقب البدء في التنفيذ عدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني ، وأبرز تطبيقات لذلك أن تقاوم المرأة فتتغلب عليه أو أن يخف لنجدتها أحد.

المساهمة الجنائية في الاغتصاب
تخضع جريمة الاغتصاب للقواعد العامة في المساهمة الجنائية ، فيتصور تعدد الفاعلين ، ويتصور أن يوجد إلى جانب الفاعل شريك أو أكثر.
والفرض الخاص بتعدد الفاعلين عسير على التصور، ولكن إذا لاحظنا أن الركن المادي يقوم في هذه الجريمة على عنصرين : الاتصال الجنسي ، والفعل الذي يكون من شأنه إعدام رضاء المرأة كالعنف مثلاً ، فإن كل من يصدر عنه أحد هذين الفعلين يعتبر - تطبيقا للقواعد العامة - فاعلا مع غيره . وبناء على ذلك فإن من أمسك بجسم المرأة كي يشل مقاومتها في حين اغتصبها زميله كان فاعلا معه للجريمة ؛ ومن باب أولى يُعد فاعلاً من ضرب المرأة أو هددها بالسلاح كي ترضخ لرغبة زميله.
ويذهب الرأي السائد في الفقه إلى أنه لا يتصور أن يكون فاعلاً لهذه الجريمة إلا رجل ، وبناء على ذلك يدرجها في عداد "جرائم ذوي الصفة الخاصة"، وحجته حصره ركنها المادي في فعل الاتصال الجنسي الذي لا يتصور أن يصدر عن امرأة ؛ ولكن إذا لاحظنا أن الفعل المعدم للرضا هو كذلك عنصر في هذا الركن ، وكان من المتصور أن تأتي هذا الفعل امرأة ، فان هذه المرأة تعد فاعلة مع غيرها لهذه الجريمة. وتطبيقا لذلك فانه إذا أمسكت امرأة بجسم أخرى لكي تشل مقاومتها تمكينا لرجل من اغتصابها ، فكلاهما فاعل للجريمة . ولم ينكر هذا الرأي أن تكون المرأة شريكة في هذه الجريمة . ويتصور أن تكون امرأة فاعلة معنوية لهذه الجريمة ، كما لو أغرت مجنونا باغتصاب امرأة أخرى .
ومن صور الاشتراك بالمساعدة في هذه الجريمة إعارة أو تأجير المكان الذي ترتكب الجريمة فيه ، أو تجهيز المادة المخدرة أو تسليم السلاح الذي يستعين به الجاني في ارتكاب الجريمة.

انعدام الرضاء
ماهية هذا الركن : عبر الشارع عن هذا الركن بقوله : أن وقاع الأنثى كان " بغير رضاها " ؛ وهذا التعبير أوسع دلالة من لفظ " الإكراه " ، وإن كان يشمله. فهذا الركن لا يقتضى ارتكاب الفعل باكراه مادي أو معنوي، وإنما يكتفي بارتكابه دون رضاء صحيح من المجني عليه ؛ وفي تعبير آخر لا يشترط أن يرتكب المتهم الفعل " ضد إرادة " المجني عليها ، وإنما تقوم الجريمة بارتكابه الفعل " دون إرادتها " .
ويشمل انعدام الرضا حالات عديدة : فيشمل حالات الإكراه ماديا كان أو معنويا ؛ ويشمل كذلك حالات الرضاء غير المعتبر قانونا ، وهذه تتسع للرضاء الصادر عن غير مميزة ، والرضاء الصادر تحت تأثير الغلط أو التدليس ؛ ويشمل في النهاية حالة ما إذا كانت المجني عليها لا تستطيع التعبير عن إرادتها لنوم أو إغماء أو لارتكاب الفعل مباغتة.

الإكراه المادي
يعني الإكراه المادي أفعال العنف التي ترتكب على جسم المرأة وتستهدف إحباط المقاومة التي تعترض بها فعل الجاني ، ويشمل كذلك العنف الذي يستهدف إرهاب المجني عليها ابتداء كي لا تبدي مقاومة . والأصل أن يتخذ العنف صورة الضرب أو الجرح ، ولكنه قد يتخذ صورة فعل قسري أيا كان يعدم - أو يضعف على نحو ملموس - القدرة على المقاومة : فيعد إكراها ماديا الإمساك بأعضاء المرأة التي قد تستعملها في المقاومة أو تقييدها بالحبال . وقد قيل ان من العسير تصور أن يرتكب الجاني في ذات الوقت فعلي العنف والوقاع موزعا جهوده بينهما ، ولكن هذا الاعتراض في غير محله : فقد يصدر الإكراه عن شخص آخر يقدم معونته إلى الجاني ؛ وقد تكون المجني عليها صغيرة السن أو ضعيفة أو مريضة بحيث يكفي عنف قليل لإحباط مقاومتها أو إرهابها ؛ وقد يصدر العنف أولا فيكون مم شأنه إعياء المجني عليها فتستسلم لرغبات الجاني وهي عاجزة عن إبداء أية مقاومتها.
ويشترط في العنف الذي يقوم به الإكراه المادي شرطان : أن يرتكب على شخص المرأة ، وأن يكون من شأنه إعدام رضائها بالفعل . وينبني على الشرط الأول استبعاد أفعال العنف التي تقع على الأشياء ، كما إذا حطم المتهم سورا أو بابا أو قتل كلبا إذا أعقب ذلك أن استقبلته المرأة راضية بالفعل الذي يريد ارتكابه. وتستبعد كذلك أفعال العنف التي ترتكب ضد أشخاص آخرين كخادم المرأة أو أحد أقاربها إذا رضيت بعد ذلك بفعل المتهم . ويعني الشرط الثاني أن يكون العنف كافيا لاحباط مقاومة المرأة أو ارهابها . ويقتضى ذلك أن يكون على قدر من الجسامة يختص بتقديرها قاضي الموضوع . ومؤدى ذلك أن العنف اليسير الذي لا يعدم الإرادة ، ولكن ينهي تردد المرأة أو يتغلب على تمنعها ويكون عاملا في إقناعها بأن ترضى بالصلة الجنسية لا يكفي لتحقيق الإكراه .
وإذا اعتقد المتهم أن مقاومة المرأة غير جدية في حين أنها كانت كذلك ، انتفى القصد لديه.
ولا يتطلب القانون أن يستمر الاكراه طيلة الاتصال الجنسي ، وإنما يكفي أن يكون الوسيلة إلى ابتدائه : فإذا قاومت المرأة أفعال العنف ثم انهارت مقاومتها فاستسلمت عجزا عن المقاومة أو يأسا من جدواها فلم ير الجاني حاجة إلى الاستمرار في العنف فإن الإكراه يتحقق مع ذلك . وليس بشرط أن يترك الإكراه أثرا بجسم المجني عليها أو بجسم الجاني.

الإكراه المعنوي
يعني الإكراه المعنوي التهديد بشر . ويتعين أن يكون هذا الشر جسيما وحالاً، وأن يربط الجاني في ذهن المجني عليها - صراحة أو ضمنا - بين نزوله ورفض الصلة الجنسية التي يريدها . والعبرة بتأثير التهديد على ارادة المجني عليها على نحو يثبت به أنها لم تتجه إلى قبول هذه الصلة ، ويرتهن تحديد هذا التأثير بالظروف التي صدر فيها التهديد ، ومن ثم كان قاضي الموضوع هو المختص بتقديره . وسواء أن يهدد الشر نفس المرأة أو مالها ، وسواء كذلك أن يهددها أو يهدد شخصا عزيزا عليها كتهديدها بقتل ابنها إن لم تقبل الصلة. ويستوي في النهاية أن يكون موضوع التهديد فعلاً إجراميا أو أن تنتفي عنه هذه الصفة ، بل قد يكون أمرا مشروعا، كتهديد امرأة بالإبلاغ عن جريمة ارتكبتها فعلاً إن لم تقبل الصلة.


الرضاء الصادر عن غير المميزة
لا صعوبة في تعليل عدم اعتداد القانون بهذا الرضاء ، فإذا كان الرضاء في ذاته تعبيرا عن ارادة ، وكانت ارادة غير المميزة مجردة من القيمة القانونية ، استتبع ذلك تجريد قبولها من هذه القيمة. وحالات انعدام التمييز عديدة : فتشمل الجنون والسكر وصغر السن .
فإذا اتصل المتهم بمجنونة لم تبد على فعله أي اعتراض فإنه يرتكب بذلك جريمة الاغتصاب ، ولكن يجب التحقق من أن جنونها قد أفقدها القدرة على فهم ماهية الفعل وقت اتيانه ، وإلا كان لقبولها قيمته وحال دون قيام الجريمة. وتطبيقا لذلك فلا قيام للجريمة إذا كان جنون المجني عليها متقطعا واتصل بها المتهم في فترة الإفاقة ، أو كان جنونها من النوع المتخصص أو كان يسيرا فلم تفقد القدرة على إدراك ماهية الفعل .
وإذا كانت المجني عليها سكرانة أو مخدرة على نحو فقدت معه القدرة على فهم ماهية الفعل قامت بوقاعها جريمة الاغتصاب ، وسواء أكان الجاني هو الذي أسكرها من أجل هذا الغرض أو لغرض آخر، أو كان شخص سواه هو الذي أسكرها ، أو كانت قد سكرت من تلقاء نفسها فاستغل الجاني حالة فقد التمييز التي صارت فيها . ويعني ذلك أن رضاء السكرانة ينفي الجريمة إذا لم يفقدها سكرها التمييز سواء لقلة المادة التي تعاطتها أو لاحتمالها تأثيرها. ويلحق بالسكر إعطاء المجني عليها حبوبا منومة وإن كانت لم تؤد إلى نومها فعلاً ولكن أضعفت من إرادتها ، وحرق بخور أحدث دوارا وإن لم تفقد المجني عليها الصواب تماما.
وإذا كانت المجني عليها صغيرة السن ورضيت بفعل الجاني ، فإن بعض الآراء تخرجه من نطاق الاغتصاب لتجعل منه هتك عرض دون قوة أو تهديد ، وسندها فيما يبدو أن هذا الرضاء ينفي الإكراه ، فينفي تبعا لذلك الاغتصاب. وعيب هذه الآراء انها اعتبرت الإكراه ركنا في الاغتصاب ، وذلك - كما قدمنا - ليس صوابا ، فركن هذه الجريمة "انتفاء الرضاء الصحيح" أيا كان مصدره ، ولذلك كان هذا الركن متوافرا اذا رضيت المجني عليها بالفعل ، ولكن كان رضاؤها غير معتبر قانوناً ، إذ لا يُعد رضاء صحيحا . وحين تكون المجني عليها صغيرة فإنه يصعب القول بأن رضاءها ذو قيمة قانونية كاملة بحيث يكون من شأنه نفي الجريمة . ويقول د/ محمود نجيب حسنى : ونرى التفرقة بين الصغيرة غير المميزة والصغيرة المميزة : فإن كانت غير مميزة فلا شك في قيام الجريمة على الرغم من رضائها بالفعل ، ذلك أن إرادتها متجردة من القيمة القانونية ، فلا يمكن أن يقوم بها رضاء صحيح . أما إذا كانت الصغيرة مميزة ، فإن الرأي المجمع عليه يذهب إلى أن رضاءها ينفي الاغتصاب ، فتقتصر مسئولية الجاني على هتك العرض دون قوة أو تهديد بشرط ألا تكون قد أتمت الثامنة عشرة من عمرها . وحجة هذا الرأي أن الرضاء الصادر عن وعي بطبيعة الفعل يحول دون القول بتوافر ركن الجريمة المتمثل في "عدم الرضاء". ويقول د/ محمود نجيب حسنى : ولكننا نعتقد أن خطة الشارع هي أن يستبعد من نطاق الاغتصاب الحالات التي يمكن القول فيها بأن المرأة قد اتجهت ارادتها اتجاها صحيحا إلى قبول الصلة الجنسية ، ويفترض ذلك أن تكون هذه الارادة معتبرة قانونا حتى يكون اتجاهها بدورة معتبرا من القانون . وإذا كان المجني عليها مميزة ، ولكنها لصغر سنها ما تزال قليلة الخبرة بالحياة سهلة الإغراء وليس في وسعها أن تقدر خطورة الفعل على سمعتها ومستقبلها ، فمن السائغ القول بأن ارادتها - وإن كان لها بعض القيمة القانونية بالنظر الى ما توافر لها من تمييز ـ فانه ليست لها هذه القيمة كاملة ، ومن ثم لا يمكن أن يقوم بها رضاء صحيح ينفي جريمة الاغتصاب . ويقول د/ محمود نجيب حسنى : وندعم هذا الرأي بملاحظة أنه من غير السائغ أن يسوي في المسئولية والعقاب بين من واقع الصغيرة برضائها ومن اقتصر على الإخلال بحيائها في الصورة التي يقوم بها هتك العرض على الرغم مما بين فعليهما من فارق كبير من حيث الجسامة والدلالة على خطورة مرتكبه ؛ ومن غير السائغ كذلك أن يعتبر الوقاع مجرد هتك عرض ، إذ تنصرف دلالة هذا الأخير إلى أفعال أقل من الوقاع فحشا ، بالإضافة إلى ما قدمناه من أن الصغيرة لا تتوافر لها إرادة مكتملة القيمة على النحو الذي يقوم به الرضاء الصحيح . وقد يكون من الملائم تشريعيا أن ينص الشارع على صورة مخففة من الاغتصاب في حالة رضاء المجني عليها الصغيرة المميزة بالفعل .

الرضاء الصادر تحت تأثير التدليس أو الغلط
إذا كان الشارع يستبعد من نطاق الاغتصاب حالات الرضاء بالفعل ، فهو يعني بذلك أن هذا الرضاء يعبر عن إرادة صحيحة اتجهت - وهي على بينة - إلى قبول الصلة الجنسية ، أما إذا كانت معيبة للتدليس فهي غير ذات قيمة قانونية ، وتبعا لذلك فهي ملحقة بحالات عدم الرضاء . وأهمية التدليس أنه يفضي إلى وقوع المرأة في غلط موضوعه الظروف التي يؤتي فيها بالفعل ، فيصوره لها على نحو ترضى به في حين لو أنها علمت بحقيقة ظروفه لما رضيت به. وللتدليس صورتان : صورة يكون موضوعه فيها شخص الجاني ، وصورة يكون موضوعه فيها صفته في إتيان الفعل :
فالصورة الأولى تعني ايهام المرأة أن الجاني شخص آخر كانت المرأة ترضى بالصلة الجنسية به . وأبرز تطبيق لذلك أن يدخل الجاني في فراش امرأة نائمة فتعتقد وهي بين اليقظة والنوم أنه زوجها فتسمح له بأن يتصل بها ، وقد يستفيد الجاني من ظرف آخر غير النوم كأن تكون المرأة ضريرة . والصورة الثانية تعني إيهام المرأة أن من حق الجاني أن يباشر الصلة الجنسية معها ، ويعني ذلك أن التدليس لم يتناول حقيقة شخصيته ، وإنما تعلق بصفته وما يتفرع عنها من حقوق على المرأة . وأبرز تطبيق لذلك أن يرتب الجاني مظاهر يوهم بها ضحيته أنه قد عقد بها زواجا صحيحا فترضى بصلته بها معتقدة أنها زوجة له. ومن تطبيقات ذلك أن يخفي شخص - لا يجوز له طبقا لقانون أحواله الشخصية أن يعدد زوجاته - عن المجني عليها أنه متزوج ، فيحملها بذلك على قبول الزواج منه ثم يمارس الصلة الجنسية معها ، أو يخفي الزوج عن زوجته أنه طلقها على نحو أنهى علاقة الزوجية بينهما ثم يتصل بها وهي راضية لاعتقادها أنها ما تزال زوجته.
عجز المرأة عن التعبير عن إرادتها : إذا كانت المرأة - وقت ارتكاب الفعل - عاجزة عن التعبير عن إرادتها بالقبول أو الاعتراض فإن الجريمة تتوافر بذلك أركانها، فخطة الشارع أنه لا يستبعد من نطاقها سوى الحالات التي يتوافر فيها القبول الصحيح بالفعل . وحالات العجز غير محصورة ، وقاضي الموضوع هو المنوط باستخلاصها ، وأهم هذه الحالات النوم والإغماء والإعياء الذي يبلغ درجة تعطيل الإرادة وإتيان الفعل بغتة.
فإذا أتى الجاني فعله أثناء نوم المجني عليها فلم تتنبه إلا بعد بدء الصلة الجنسية ، فإن الاغتصاب تتوافر بذلك أركانه ، ويستوي أن يكون النوم طبيعياً أو مغناطيسيا. وإذا أتى الجاني فعله على امرأة مغمى عليها توافرت أركان الاغتصاب . وإذا ارتكب المتهم الفعل على امرأة تعرضت لإعياء شديد عطل إحساسها وإرادتها فإن الجريمة تقوم إذا ثبت بصورة قاطعة أنها كانت عاجزة عن التعبير عن إرادتها برفض الفعل . وتتحقق الجريمة كذلك إذا ارتكب الجاني فعله بغتة ، فلم تكن لدى المجني عليها الفرصة في أن تبدي اعتراضها عليها، مثال ذلك طبيب يباغت مريضته - وقت الكشف عليها أو إجراء عمل طبي على جسمها - فيتصل بها جنسيا.

القصد الجنائي
تمهيد : الاغتصاب جريمة عمدية ، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي . ولا يثير التحقق من توافر القصد صعوبة : فالأفعال التي تصدر عن الجاني - وخاصة الإكراه - تكشف في وضوح عن القصد . والقصد المتطلب في هذه الجريمة قصد عام ، إذ يقوم بانصراف العلم والإرادة إلى الوقائع التي تقوم عليها الجريمة ، و هي الفعل الذي تقوم به الصلة الجنسية.
ويخضع القصد الجنائي للقاعدة العامة التي تقضي بأنه لا عبرة بالبواعث في تحديد عناصره : فإذا كان الباعث عادة هو " الشهوة الجنسية "، فإن من المتصور أن يحرك الجاني إلى فعله باعث أبعد من ذلك مدى : فقد يهدف إلى الانتقام من المرأة أو ذويها بإنزال العار بهم ، أو إرضاء عقيدة فاسدة سيطرت عليه ، ولكن تحقيق هذه الغايات يفترض إرضاء للرغبة الجنسية.
ويقوم القصد - تطبيقا للقواعد العامة - على عنصري العلم والإرادة . ولا يثير التحقق من الإرادة صعوبة ، إذ أن " فعل الوقاع " بطبيعته عمل إرادي ، فهو يصدر عن رغبة ويستهدف إشباع شهوة ، ومن ثم كانت صفته الإرادية واضحة ، وتصير هذه الصفة أكثر وضوحا حين يقترن به الفعل المعدم للرضاء كالإكراه. . ونفصل فيما يلي ما يتعين أن يحيط العلم به.
ما يتعين أن يحيط العلم به : يتعين أن يعلم الجاني أنه يمارس صلة جنسية غير مشروعة وبدون رضاء صحيح من المرأة ، ويترتب على اشتراط العلم بهذه العناصر أنه إذا وقع الجاني في غلط في شأن أحدها انتفى القصد لديه.
فإذا اعتقدا لجاني أن الصلة التي يمارسها مشروعه فلا يتوافر لديه القصد ، ولا تفرقة بين ما إذا كان غلطه متعلقا بالوقائع أو بالقانون، فالفرض أن القاعدة القانونية التي تعلق بها غلطة لا تنتمي إلى قانون العقوبات. فإذا أكره الأعمى على الصلة الجنسية امرأة ظن أنها زوجته فلا يُعد القصد متوافرا لديه. وإذا كان ما يربط الرجل بالمرأة التي مارس الصلة الجنسية معها عقد زواج باطل أو فاسد ، ولكنه كان يجهل سبب البطلان أو الفساد ، فان القصد لا يتوافر لديه ، سواء تعلق غلطة بالوقائع كما لو تزوج أخته من الرضاع وهو جاهل أنها كذلك ، أو تعلق بالقانون كما لو كان عالما بذلك ، ولكنه يجهل القاعدة الشرعية التي تحرم هذا الزواج ، ومثال ذلك أن يجمع إلى زوجته خالتها أو ابنة أختها وهو جاهل القاعدة التي تحرم هذا الجمع . وينتفي القصد كذلك لدى شخص اتصل كرها بمطلقته رجعيا بعد انقضاء عدتها إذا كان يعتقد - لخطأ في الحساب - أنها لم تنقض بعد.
ويتعين أن يعلم بعدم رضاء المرأة بالصلة الجنسية ، فإن اعتقد أنها راضية وأن ما تبديه من رفض أو مقاومة هو في حقيقته تمنع أو حياء طبيعي ، فإن القصد لا يتوافر لديه ، ولو كان اعتقاده مستندا إلى تقدير خاطئ . ولكن ارتكاب العنف تقوم به قرينة على العلم بعدم الرضاء ، وهذه القرينة يجوز مع ذلك إثبات عكسها.

ملاحظــات عامــة
• القوة فى جناية المواقعة تتحقق بإستعمال القوة المادية او التهديد او المباغته او انتهاز فرصة فقدان شعورها او انعدام ارادتها بجنون او عاهة فى الفعل او استغراق فى النوم فيكفى ان يكون الفعل قد وقع ضد إرادة المجني عليه وبدون رضاه .
• رفع ملابس المجنى عليها اثناء نومها وامساكه برجليها بعد شروع فى وقاع لان هذه الافعال من شأنها ان تؤدى فوراً ومباشرة الى تحقيق ذلك المقصد .
• مواقعة المتهم للمجنى عليه بالخديعة بأن دخل عليها غرفة نومها معتقدة انه زوجها يتوافر به ركن القوة وانعدام الرضاء.
• مجرد ارتكاب الجريمة فى الظلام وفى وحشة الليل وفى مكان غير آهل بالناس لا يفيد بذاته انه قد تم بغير رضاء المجنى عليه.
• واقعة هتك العرض - واحدة - ولو تعددت الافعال المكون لها فالمباغته وان كانت تفيد انعدام الرضا فإن سكوت المتهمة البالغة وعدم الاعتراض على الافعال اللاحقة ينسب الى الفعل الاول ( المباغته ) فيجعله حاصل بالرضا وتكون الواقعة لا عقاب اليها الا اذ كانت فى مكان عام فتصير جنحة فعل فاضح علني.
• لا تصح ان توصف الواقعة الواحدة بوصفين احدهما بالقوة والأخذ بالرضا والعبرة بالوصف الذى فيه مصلحة المتهم.
• يكفى لتوافر هتك العرض كشف جزء من جسم المجنى عليه يعد من العورات.
• ملامسة المتهم بعضو تناسله جسد المجنى عليه يعتبر هتك عرض ولو كان عينياً.
• العاملان فى محل واحد مشمولان بسلطة رب عمل واحد ومن ثم هتك عرض احدهما للاخر ينطبق عليه الظرف المشدد المنصوص عليه بالمادة 269 من قانون العقوبات.
• العبرة فى تحديد سن المجنى عليه فى جرائم هتك العرض بالتقويم باعتباره الاصلح للمتهم.
• الخادم الذى يهتك عرض من يتولى مخدومه رعايته او ملاحظته ينطبق فى حقه الظرف المشدد المنصوص عليه فى الفقرة الثانية للمادة 269 .
• تحديد سن المجنى عليه لا يكون الا بوثيقة رسمية او اهل الخبرة.