جريمة القبض على الأشخاص دون وجه حق


الجدير بالذكر أنه إذا كان  حق القبض المخول لمأمور الضبط   مقيدا بتوافر حالاته  التى نص عليها القانون  والدستور ويترتب على هذا  أنه إذا كان ملقى القبض متمتعا بالفعل بالوضعية القانونية فى كونه من مأمورى الضبط ولكن لم تتوافر  حالة من الحالات التى يبيح فيها القانون القبض  أصبح مرتكبا لجريمة  القبض على  الأشخاص دون وجه حق
التى نصت عليها المادة  280 من قانون العقوبات
فى نصها
"" كل من قبض على أى شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفى غير الأحوال التى تصرح فيها القوانين واللوائح  بالقبض على ذوى الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه (19 ) [1]
وقد قضت محكمة النقض بشأن جريمة القبض على الأشخاص دون وجه حق المنصوص عليها فى هذه المادة بأنها يجوز أن تقع من موظف عام
فيما ذهبت إليه
"" المادة 129 عقوبات لم تعن إلا بوسائل العنف الذى لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم. ورود المادتين 280، 282 عقوبات ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق. اعتبار المشرع المصري الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التى تقع إطلاقا من موظف أو غير موظف.
وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن نص المادة 129 من قانون العقوبات لم يعن إلا بوسائل العنف الذى لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم فقد وردت هذه المادة ضمن جرائم الاكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس فى الباب السادس من الكتاب الثانى الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية، أما المادتان 280 و282 من هذا القانون فقد وردتا ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق فى الباب الخامس من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس، وفى هذه المفارقة بين العناوين التى اندرجت تحتها هذه المواد ما ترتسم به فكرة المشرع المصرى من أنه عد الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التى تقع إطلاقاً من موظف أو غير موظف. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ طبق المادتين 280 و282 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى يكون صحيحاً فى القانون ويكون ما ينعاه عليه الطاعن فى هذا الصدد غير سديد.
الطعن رقم 1286 لسنة 34 القضائية

الآراء الفقهية فى خصوص القبض المنصوص عليه فى المادة 280 عقوبات والتى تقع من رجل السلطة إذا لم يكن فى حالة من الحالات التى تجيز القبض
1-يتعين في القبض أن يؤدي إلي حرمان المجني عليه تماما  من حريته في التجول فلا يعد قبضا مجرد منعه من الذهاب إلي مكان معين ولا عبرة بمكان القبض فيستوي إيداع المجني  عليه في سجن عام أو في مكان  خاص أو باقتياده إلي  الشرطة أو بمنعه من مغادرة مسكنه ولا يشترط في القبض أن يودع الشخص في مكان ثابت بل يتحقق حبسه في سيارة نقل أثناء سيرها أو نقله علي غير إرادته من مكان إلي آخر  ولا عبرة أيضا بوسيلة  القبض إذ يستوي  استعمال الإكراه أو دون ذلك  من الوسائل أو بمجرد إصدار أمر شفوي إلي المقبوض عليه وكل ما يشترط هو أن يكون القبض قد جاء علي غير إرادة المجني عليه وتتم هذه الجريمة بحرمان الشخص من حريته وتستمر طالما استمر هذا الحرمان  وعلي هذا الأ[2]ساس  تعتبر جريمة القبض بدون وجه حق مستمرة  بالقدر الذي يستغرقه زمن القبض (20)
2= إن المشرع المصري لم يقرر بالنسبة لهذه الجريمة  أي فرق في المسئولية بين القبض  الواقع من فرد علي فرد والقبض الواقع من السلطة علي الفرد  والمتضمن لذلك عدوانا علي الحرية الشخصية وإن كان بهذا النص قد صرح  بقيام المسئولية  الجنائية إذا وقع القبض علي فرد بدون وجه حق  دون تفرقة بين ممثلي السلطة والأفراد العاديين 0 (21)

3-  لا يتحقق القصد الجنائي إذا توافر لدي الجاني غلط في الإباحة  بأن اعتقد أثناء ارتكاب الفعل أنه يحق له قانونا  القبض علي المجني عليه ويلاحظ أن الجهل بقانون الإجراءات الجنائية وغيره من الأحوال التي  تحدد أحوال  القبض  وشروط صحته  هو جهل بغير قانون العقوبات مما ينفي القصد الجنائي (22) [3]

ج- استقراء نص المادة (24) إجراءات   
1=  وضع النص هذا الحق فى جميع  الإعمال والإجراءات التى نص عليها القانون
وعلى هذا يكون هذا الحق مقرر فى أعمال القبض والتفتيش والاستيقاف وأعمال جمع الاستدلالات بمجملها وعلى العموم كل عمل أو إجراء نص عليه القانون وبديهي أن يكون هذا العمل أو الإجراء متصلا بأِشخاص ، أما الأعمال السرية مثل  جمع التحريات  فلا ينتظر منهم الإفصاح عن شخصياتهم لأنه من غير المتوقع أن يظهروا أنفسهم فيما يقومون به من تحرى
2=  هذا الإيجاب المقرر بنص المادة  على جميع رجال الضبطية القضائية والإدارية 
فقد أوردت المادة إضافة إلى مأمورى الضبط  القضائى مرءوسيهم وكذلك رجال السلطة العامة،،
ومأمورى الضبط القضائى هم الذين أوردتهم المادة 23 إجراءات جنائية
فى نصها
المادة -23- (23[4])
 
((""  (أ)-يكون من مأمورى الضبط القضائى فى دوائر اختصاصهم
1-أعضا ء النيابة العامة ومعاونوها 0
2- ضباط الشرطة وأمناؤها والكونستبلات والمساعدون 0
3- رؤساء نقط الشرطة 0
4- العمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء 0
5- نظار ووكلاء محطات السكك الحديدية الحكومية
ولمديري أمن المحافظات ومفتشى مصلحة التفتيش العام بوزارة الداخلية أن يؤدوا الأعمال التى يقوم بها مأمورى الضبط القضائى فى دوائر اختصاصهم 0
(ب) ويكون من مأمورى الضبط القضائى فى جميع أنحاء الجمهورية
1- مديرو وضباط إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية وفروعها بمديريات الأمن 0
2- مديرو الإدارات والأقسام ورؤساء المكاتب والمفتشون والضباط  وأمناء الشرطة والكونستبلات والمساعدون  وباحثات الشرطة العاملون  بمصلحة الأمن العام وفى شعب البحث الجنائى بمديريات الأمن 0
3- ضباط مصلحة السجون
4-مديرو الإدارة  العامة لشرطة السكة الحديد والنقل والمواصلات وضباط هذه الإدارة 0
5- قائد وضباط أساس هجانة الشرطة 0
6- مفتشو وزارة السياحة 0
ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص  تخويل بعض الموظفين صفة مأمورى الضبط القضائى  بالنسبة إلى الجرائم التى تقع فى دوائر اختصاصهم  وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم0
وتعتبر النصوص الواردة فى القوانين  والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأمورى الضبط القضائى بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص "" ))
ومن أمثلة مأمورى الضبط المشار إليهم فى الفقرة الأخيرة من المادة المشار إليها بعاليه  الذين خولت لهم صفة مأمورى الضبط بنصوص وقوانين أخرى
- مفتشى التموين
- مفتشى الصحة
- مفتشو الجمارك
- رجال الرقابة الإدارية
- رجال خفر السواحل
- مهندسو التنظيم
جميع هؤلاء تنطبق عليهم صفة مأمورى الضبط القضائى  الذين أيضا يدخلون تحت نطاق تطبيق  المادة 24 إجراءات جنائية
وعدا هؤلاء يكونون من رجال السلطة العامة 
ويلاحظ أنه
ليس كل رجال السلطة العامة من مرءوسى مأمورى الضبط
ويلاحظ أن
 بناء على نص المادة 23 إجراءات المشار إليها لم يتبق  سوى من هم تحت درجة مساعد وهم الجنود والخفراء  أم شيوخ الخفراء فقد أوردتهم المادة من مأمورى الضبط القضائى 0

د -تعليق موضوعى
وهذا الحق له ما يبرره من الواقع إضافة إلى ماتم شرحه 
فيحدث  فى العمل كثيرا أن يستغل بعض الأشخاص ما تحدثه السلطة من رهبة  فى النفوس فيقومون بانتحال الصفات الرسمية سواء لتحقيق غرض شخصى أو للقيام بالجريمة مباشرة  وهى غالبا ما تكون جريمة النصب  وقد تصدى قانون العقوبات لمثل هذه الحالة  فى نص المادة -336 عقوبات-  إذ عدد من ضمن طرق النصب ( اتخاذ صفة غير صحيحة ) وهى إن كانت تضم  أى صفات أخرى غير رسمية إلا أنها تحوى معها هذه الصفة ، إضافة الى العقوبة المقررة فى نص - المادة 155 عقوبات - فى باب اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون وجه حق  إضافة إلى نص المادة 280 المنصوص عليها بعاليه فهي تسرى على الأشخاص العاديين فى حال قبضهم أيضا بدون وجه حق على الأشخاص وجعلت فى نص المادة 282 من قانون العقوبات  التشديد لهذه الجريمة إذا ( حصل القبض فى الحالة المبينة بالمادة 280 من شخص تزيا بدون وجه  حق بزي مستخدمي الحكومة أو اتصف بصفة كاذبة أو أبرز أمرا مزورا  مدعيا صدوره من طرف الحكومة )
وإبراز تحقيق الشخصية من رجل السلطة العامة المنصوص عليه فى هذه المادة كفيلا لو تم فى جميع أحواله بالقضاء تقريبيا على معظم هذه الحالات المشار إليها بعاليه  0

5- البطلان على مخالفة هذا الحق
لا يوجد بطلان مقرر على  مخالفة هذا الحق على الرغم من أهميته ، فقد نصت المادة صراحة  فى فقرتها الأخيرة  (ولا يترتب على مخالفة هذا الواجب بطلان العمل أو الإجراء وذلك دون إخلال بتوقيع الجزاء التأديبي ) وهى وإن أوجبت جزاء تأديبيا  إلا أنه  لا يتصور عملا أن يتقدم أحد بشكوى للجهة التأديبية لمخالفة رجل السلطة هذا الإجراء ( فضلا على  أن الجزاء التأديبي لن يعنى المدافع عن المتهم فى شئ )
(وإن كان الرأي أن التصميم على هذا الحق تدريجيا سيجعله أمرا واقعا وكثرة الشكاوى التأديبية ستجعل تطبيقه أيسر وأسرع منالا 

ويتصور عمليا  فى سبيل بحث البطلان  حالتان فى هذا السياق
الأولى : أن لا يكون القائم بالإجراء ذا صفة صحيحة
وفى هذه الحالة سيتقدم المقبوض عليه بشكوى  ضد هذا الشخص للجهات الرسمية
وبالطبع لم يستطع إدراك ذلك فى حينه لعدم  علمه بهذا الحق الذى يطالب مجرى القبض  أن يبرز   ما يثبت شخصيته طبق للمادة 24 من قانون الإجراءات 
والثانية أن يكن فعلا  ذا صفة صحيحة للقيام بالإجراء
 وفى هذه الحالة ( فى سياق القبض الخاص بهذا البحث ) -فضلا عن أنه لا يوجد بطلان  -سيكون المتهم غالبا مهتما بأمور أكبر من ذلك وهى التى تلي القبض عليه - إذا كان من أجرى القبض ملتزما بذلك قانونا-   وسيكون البحث فى قانونية القبض ذاته أجدى نفعا للمتهم 0


(19) رفع الحد الأقصى لعقوبة  الغرامة بموجب القانون رقم 29 لسنة 1982 وكانت قبل التعديل ( لا تتجاوز عشرين جنيها مصريا

(20) الدكتور أحمد فتحي سرور في الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص الطبعة الثالثة 1985  ص682[2]
(21) الدكتور محمد زكي أبو عامر في الحماية الجنائية للحرية الشخصية - طبعة 1979 - ص 46

(22) الدكتور أحمد [3]فتحي سرور في الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص الطبعة الثالثة 1985  ص682[3]
وللمزيد من المعلومات عن القبض على الأشخاص بدون وجه حق يمكن مراجعة مؤلفنا ( جريمة التعذيب فى التشريع المصرى والمبادىء القضائية  - طبعة 2004 إصدار جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء )

(23) معدلة بالقانون رقم 26 لسنة 1971- الجريدة الرسمية عدد رقم 20 صادر فى 20/5/1971



اسم المؤلف: حقوق المواطن وواجبات السلطة فى قانون الإجراءات الجنائية "القبـض والتفتيش"
المؤلف: سعيد محمود الديب "المحامى"

الناشر : جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء