يجب أن تقترن العدالة بالقوة بحيث يصبح كل شيء عادل قوي وكل قوي عادل
المساواة
في الحكم بين الناس:
وفي الحُكْم بين الناس لا يجوز التفريق بين الخصمين لأي سبب من
الأسباب؛ لذلك قال ـ تعالى ـ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]. فلا يجوز أخذ حقوق الناس بمجرد العداوة
والبغضاء؛ لأن الإسلام دين العدل. وقد قضى شريح القاضي ليهودي بدرع مع أن الخصم هو
أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه. فلم يعرف الإسلام الظلم في تأريخه بل كان العدل
شعاره.
المساواة في بعض الأحكام الشرعية:
فالشريعة المباركة ـ زادها الله تشريفاً ـ ساوت بين الناس في
بعض الأحكام الشرعيةِ العدلُ يقتضي التسويةَ فيها؛ فمن ذلك على سبيل المثال:
التسوية بين الأولاد في العطية كما في الحديث السابق، والتسوية بين الزوجات في
النفقة والمبيت، وغير ذلك من الأحكام.
موانع المساواة:
مع أن الناس فيما ذكرنا سواء، ولكن قامت موانع منعت من
المساواة بينهم في بعض الأمور تقضي الحكمة حصول التفرقة فيها ونفي المساواة. وهذه
الموانع تنقسم إلى قسمين:
الأول:المانع الشرعي الذي جاءت به النصوص الشرعية، ولا أحد
يستطيع تجاوز الشرع كائناً من كان. ومن ذلك المنع من المساواة بين المسلم والكافر.
قال ـ تعالى ـ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ}
[السجدة: 18]، قال البغوي: «نزلت في على بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط
أخي عثمان لأمه؛ وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد بن عقبة
لعلي: اسكت؛ فإنك صبي وأنا والله أبسَطُ منك لساناً، وأحدُّ منك سِناناً، وأشجع
منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة. فقال له علي: اسكت؛ فإنك فاسق، فأنزل
الله ـ تعالى ـ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ}
[السجدة: 18] ولم يقل: لا يسـتويان؛ لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً، بل
أراد جميع المؤمنين وجمــيع الفاسـقين»(15). قال السـعدي: «{لاَّ يَسْتَوُونَ}
عقلاً وشرعاً، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلـمة، وكـذلك لا يسـتوي
ثوابهـما في الآخـرة»(16). وقال ـ تعالى ـ: {أَفَنَجْعَلُ الْـمُسْلِمِينَ
كَالْـمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 - 36].
حتى بين المسلمين لا يستوي أصحاب الأعمال، كما قال ـ تعالى ـ:
{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ
وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ
اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ
دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ
عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].
وقال ـ تعالى ـ: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن
قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ
أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على
التفرقة بسبب الشرع.
الثاني: أي المانع الثاني من موانع المساواة ـ المانع
الجِبِلِّي أي بسبب أصل الخِلْقة؛ بمعنى أن الناس جميعاً خرجوا من آدم، ولكن الله
ـ تبارك وتعالى ـ أقام في خِلْقة المرأة والرجـل فروقاً فرق بسبـبها بينـهما في
التكاليف. قال ـ تعالى ـ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ
اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، قال ابن عاشور: «فالتفضيل هو
المزايا الجِبِلِّية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذبّ عنها وحراستها
لبقاء ذاتها»(17)، لذلك قد بُني على هذا المانع التفـرقة بين الرجـل والمرأة في
بعـض التكاليف الشرعية التي يقتــضي التفريـق في أصـل الخـلـقة التفـريق بيـنها في
هذه الأحكام. كالشهادة؛ لأن النسيان من أصل خِلْقَتها. قال ـ تعالى ـ:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ
فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ
إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]، قال الآلوسي: «لأن
الغالب على طبـاع النـساء النسيان»(18)، وكذا الولاية؛ لأن الضعف في أصل خِلقتها،
ولأن العجلة من أصل خلقتها. إلى غير ذلك.
ولو استطاع دعاة تحرير المرأة جعلها تُنفق بدلاً من الرجل
لإلغاء الفارق بينهما، لم يستطيعوا جعلها مثل الرجل بإزالة الفوارق الجِبِلِّية